في يوم الانتخابات الامريكية، الثلاثاء 2 تشرين الثاني، نشرتُ في احد المواقع الالكترونية على الانترنت مقالا تنبأت به بفوز الرئيس الحالي جورج دبليو بوش في تلك الانتخابات، وبنيت هذا الاستنتاج على حقيقة ظهور اسامة بن لادن في شريط مصور موجها كلمته الى الشعب الامريكي.
ولا ادعي انني الوحيد الذي تكهن بنتيجة الانتخابات استنادا الى هذا الحدث بالذات.. فقد نشرت في مواقع عديدة، وفي بعض الصحف المطبوعة، تكهنات مماثلة في النتيجة، وان كانت مختلفة في طريقة التناول. فقد عزى الكثير من الباحثين ظهور ابن لادن في هذا الوقت إلى تخطيط مسبق مع القيادة الامريكية لمساعدة الرئيس بوش على اعادة صور احداث ايلول وبطلها ابن لادن الى الواجهة، وطالما كانت رهان بوش الاول والاخير يقوم على حربه على ما يسمى بالارهاب، الذي يفترض ان يكون ابن لادن زعيمه المطلق، فان مثل هذا الشريط كفيل باحداث اكبر الاثر على الناخبين باتجاه التصويت لبوش.
والواقع انني لا املك دليلا حسيا يفند هذه النظرية، ولا اعتقد ان احدا يستطيع ذلك باي حال. ذلك ان التآمر يقوم اساسا على تحقيق غاية ما باستخدام اساليب ووسائل قد لا تكون سليمة او حتى معقولة. فبالامكان دائما رد أي نتيجة او حدث الى تخطيط تأمري مسبق.. ونادرا ما استطعت ان اثبت لمن يجادل باستخدام مثل هذه النظريات ان نظرية المؤامرة ليست صالحة دائما لتفسير المعطيات والحوادث. الا انني اتفق انها، على تعقيدها في بعض الاحيان، تساعد معتنقها على الوصول الى راحة نفسية من جهة معرفة الاسباب على الاقل.
ولكنني لا اجد مبررا كافيا للاعتماد على نظرية المؤامرة في تفسير الاحداث التي يمكن تفسيرها بشكل اكثر سلاسة بالطرق الطبيعية. واشير هنا الى نظرية علمية تقول ان أي تفسير (علمي) لحدث ما يجب ان يكون (سهلا)، واذا كانت هناك نظريتان لتفسير حدث واحد، فالاصح منهما هي (الاسهل)، أي التي تعتمد طرقا بسيطة وغير معقدة في التفسير. فاذا قلت لصاحبي الذي ينتظرني في الطابق الارضي من بناية ما انني (سأنزل) اليه، فربما سينتظرني عند السلم، رغم ان هناك وسائل اخرى (للنزول)، منها التدلي بالحبال مثلا.
وبالعودة الى موضوعة فوز بوش بناءا على شريط ابن لادن، فان التفسير البسيط الذي اعتمدته ان ابن لادن رغب فعلا في ازاحة بوش عن السلطة، وان الرسالة وصلت الناخب الامريكي على هذا النحو وبالتالي دفعت بعض المترددين الى التصويت لصالح بوش، واستدللت بتغير اسلوب اسامة بن لادن في الخطاب الحماسي الثوري. ولو كان بوش هو من طلب من ابن لادن فعل ذلك، لطلب منه ان يظهر كما عهده الشعب الامريكي، مهددا متوعدا مزمجرا، لا هادئا ساكنا بل ووديعا ايضا.
كما ان مروجي نظرية المؤامرة لا يقولون لنا لماذا يعرفون هم تلك (الحقائق) التي يدعون معرفتها على وجه اليقين، ولا يعرف غيرهم بها، خصوصا أولئك الذين تمسهم بشكل مباشر (الامريكيون في هذه الحال).. اذ لماذا لا يتهم احد الرئيس الامريكي انه يقيم علاقات مع الارهابيين وانه يستخدمهم في حملته الانتخابية؟ اليس اثبات مثل هذا الاتهام كفيل باسقاط ترشيحه؟ بلى، لو استطاع معارضو الرئيس الامريكي، او مؤيدو خصومه اثبات هذه النظرية، ولو من جهة كونها نظرية صالحة للبحث، لما ترددوا في ذلك ابدا.
ان الفشل في تفسير الاحداث على المدى القريب، واساليب الدعاية الموروثة عن الحرب الباردة، والتعتيم وعدم الشفافية الذي تتميز به الانظمة العربية، واستخدام كل وسيلة ممكنة لابعاد تفكير المواطن العربي عن واقعه غير السار.. هي باعتقادي مسببات رئيسة لاعتناق نظرية ترجح عمل تآمري، بدل استكناه الحدث وتحليله منطقيا للوصول الى مسببات حقيقية للاحداث. وطالما وجد من يؤمن يتلك النظريات فلن يكون ممكنا البحث في الواقع العربي بشكل عام.. فالنتيجة التي يصلها اولئك (المحللون) ان هذا شيء مخطط له، وان ما سيأتي بعده مخطط له ايضا، وهكذا دواليك.. ولسنا الا احجارا في رقعة الشطرنج الكبيرة التي يلعب بها الكبار. فهل هناك واقع اكثر بؤسا من تصور حال الشعوب لا حول لها ولا قوة؟ ومن يستفيد من غسل الادمغة هذا؟