Wednesday, July 14, 2010

قول في الازمة السياسية العراقية: العود احمد

بعد ان تقرر، بطريقة غير واضحة تماما، تأجيل جلسة البرلمان لمدة اسبوعين، وهي الجلسة التي أبقيت مفتوحة على مدى شهر كامل بدون سند قانوني، بعد كل ذلك دخلت البلاد في حالة من الفراغ الدستوري والفوضى السياسية المتمثلة بالتأويل العشوائي للدستور والقاء التفسيرات القاطعة لفقراته من قبل كل من هبّ ودبّ، وبات المواطن في حالة من عدم اليقين حتى بدأ يتساءل عن جدوى العملية السياسية اذا كانت في نهاية الامر تصب في مصلحة الفئات السياسية المتنازعة بدلا من خدمة الشعب الذي هو الاساس الشرعي للسلطات كافة حسب المفهوم المبسط للديمقراطية.
لاشك ان نتائج الانتخابات كانت غير حاسمة واعطت لكل من الفرق الفائزة فيها بارقة امل في الاستيلاء على السلطة، او ان يكون لها –في الاقل– القول الفصل في تشكيل الحكومة، وان اقتصرت النقاشات منذ ان بدأت النتائج الاولية بالظهور ولحد الان على اختيار شخص رئيس مجلس الوزراء من بين القوائم الفائزة. تلك هي العقدة التي تقف عندها كل المفاوضات بين كافة الاطراف السياسية، وهي التي تحدد بالتالي الكيفية التي سوف توزع فيها بقية المناصب الرئاسية والوزارية.
ولعل الدستور العراقي قد ساهم في تعميق الجدل من خلال الافتقار الى النص الحاسم وعدم وضوح الصيغ اللغوية-القانونية بما لا يدع مجالا للشك. لكن قبل القاء اللوم على فقرات الدستور علينا العمل بعرف قانوني معروف يتمثل في محاولة استكناه روح التشريع والقصد منه بدلا من الاستغراق في تفسير كلمات بعينها ضمن نص واحد.
فقد اولى الدستور في فصله الثاني موادا مفصلة كثيرة (المواد 63-72) تحدد طريقة انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه وصلاحياته وامتيازاته ومدة ولايته والاجراءات المتبعة عند خلو المنصب. كما انه ينص على وجوب "ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ اول انعقاد له (اي البرلمان)." (المادة 69-ب) ونحن نعلم انه تم تجاوز هذا الاستحقاق الدستوري بمرور المدة القانونية دون تحريك ساكن في هذا الاتجاه، كما تم التغاضي عن انتخاب رئيس مجلس النواب في اول جلسة يعقدها البرلمان كما نص الدستور (المادة 53)، بدعوى الجلسة المفتوحة!
وارى ان هذا الالتفاف على الدستور ليس الا مخالفة لايمكن تبريرها بطريقة مكيافيلية تنظر الى الغايات وتغض النظر عن الوسائل. ووجه الخطر في هذا الامر يتجاوز تأخير تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب بين الفرقاء السياسيين الى الاحتكام الى الارتجال في التفسير والاستعلاء على الدستور بدعوى الضرورات المرحلية. ولاشك عندي في ان هناك ضرورات وتحديات مرحلية سوف تستجد في اي وقت في المستقبل يمكن تستدعي تأويلات قسرية واعتباطية للدستور متمثلة بالسوابق التي يضعها سياسيونا اليوم.
يمكن تتبع القصد التشريعي من خلال النظر الى الطريقة التي صممها المشرع لاختيار المناصب الرئاسية: اولا رئيس مجلس النواب في اول جلسة، ثم رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوما، ثم تنص المادة 73 اولا على: "يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية." لا يبدو لي ان هناك نية تشريعية لوضع المناصب الرئاسية الثلاثة في سلة واحدة وهو ما يريد ان يقوم به سياسيونا اليوم. والانكى انهم جميعا ساهموا بشكل او بآخر في كتابة هذا الدستور وتمريره، فلماذا لم يضعوا مثل هذا الشرط عندذاك لكي تأخذ هذه القضية شكلا قانونيا لا غبار عليه؟ لعل الجواب على ذلك يكمن في الحرج الذي كانوا سيقعون فيه، لان انتخاب الرئاسات في سلة واحدة هو اشارة واضحة للمحاصصة الطائفية التي ارادوا ان ينأوا بانفسهم عنها تشريعيا وان مارسوها في واقع الحال.
أي ان التشريع الدستوري اتجه لرفض التوزيع الطائفي والعرقي للمناصب من اجل الحفاظ على وحدة مكونات الشعب المختلفة تحت راية وطنية واحدة. اذا كيف يمكن تفسير الالتفاف على التشريع بطريقة تلغي الهدف منه من الاساس؟ ويبدو لي ان المشرع اراد ان يضع مواقيت محددة لتجنب الوقوع في هذا الشرك. والان نحن واقعون فيه فكيف الخروج؟
لا احد يدعي ان هناك وصفة سحرية يمكن ان تضع حد للازمة السياسية الحالية. ولكن عندما تستعصي الامور لابأس في العودة الى الاصول. واذا كان النزاع الحالي في شخص رئيس الحكومة المقبل فلنناقش ما ارادنا الدستور ان نفعله قبل ذلك: انتخاب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية. لابد ان المشرع اعتقد ان هذين المنصبين لا يقلان اهمية عن منصب رئيس مجلس الوزراء طالما كان هذا الاخير مسؤولا امامهما. ولو تم استيفاء هذين المنصبين حقهما في الدورة البرلمانية السابقة لما كنا امام ازمة سياسية اليوم. فمنصب رئيس الوزراء، الذي حظي بصلاحيات واسعة مقابل حصانة شبه تامة من المسائلة في المرحلة السابقة، بات اكثر اهمية بما لايدع مجالا للمقارنة. وهكذا اصبح هناك شعور عام بين الفرقاء السياسيين بان فقدان هذا المنصب يعني عمليا عدم الحصول على شيء، الامر الذي لا يعبر عن روح الديمقراطية والحكم الجماعي ودولة المؤسسات.
وان حدثت في قادم الايام حلحلة للموقف السياسي وتم الاتفاق على ما يبدو مستحيلا اليوم فسوف يكون ذلك على حساب تقديم تنازلات بين الاطراف المختلفة مقابل الحصول على امتيازات. أي ان تشكيل الحكومة سوف لن يكون بدواعي خدمة المصلحة الوطنية العليا، وانما حسبما تقتضي مصالح الاطراف السياسية المشاركة فيها.
ومن جهة اخرى، فان مثل هذه الحكومة، التي سوف تسمى حكومة الوحدة الوطنية، ستكون بعيدة عن المسائلة امام البرلمان بسبب طريقة تشكيلها، التي توزع المناصب بين الفرقاء السياسيين على اساس الحصص والنقاط وتكبل بالتالي قدرة البرلمان على توجيه النقد لرئيس مجلس الوزراء مثلا، فضلا عن سحب الثقة عن حكومته باكملها. وقد كان هذا الامر سببا رئيسا في فشل الحكومة المنصرفة في تلبية احتياجات الشعب والخروج بمنجزات واضحة للعيان.
على اني ادرك انه من غير الممكن استدراك هذا الامر الان. ولا يمكن العودة الى ما قبل شهر وتنفيذ فقرات الدستور كما اقرت. بل انه لابد من المضي في الرهانات السياسية الى خواتيمها. فبعد تأجيل جلسة البرلمان مدة اسبوعين، لا يبدو ان هناك مشروع لاتفاق من أي نوع. سوف تلجأ الكتل السياسية الى ايجاد عذر آخر للتأجيل لكسب الوقت من اجل المزيد من المزايدات السياسية على امل استسلام احد الاطرف امام الضغط الشعبي او النفسي.
غير ان من الممكن عكس الازمة وايجاد حل عادل ربما يرضي جميع الاطرف. وربما يكون هذا الحل في اساسه مثاليا اكثر من اللازم، ولكن من الممكن ان يكون لدى كل من الاطراف المتنازعة نوعا من المثالية تتيح لبعض الحلول التي تبدو غير واقعية فرصة للتحقق. ومن عادة الناس نسيان الاصول التي بدأوا بها، ولكنهم عادة ما يثيبون اليها اذا ما ذكروا بها.
ان جميع المرشحين لمنصب رئيس الوزراء كانوا شخصيات وطنية خاضت غمار المعارضة لاعتى نظم الحكم الدكتاتوري في العراق، وهم ضحوا بالغالي والنفيس خدمة لهذا الوطن الذي لا اشك انهم احبوه ولم يتوانوا في تقديم انفسهم فداءا على مذبحه.
واقتراحي يتلخص بان يقوم كل من هؤلاء المرشحين بسحب ترشيحه للمنصب متيحا المجال لشخصيات سياسية جديدة ان تأخذ دورها في قيادة البلد. وان قيل ان المرشح انما يمثل حزبا او كتلة برلمانية تشعر ان المنصب من حقها، فاني اجيب بان ذلك سوف يكون امرا تجب مناقشته تحت قبة البرلمان بحضور كافة اعضاءه، الذين لا يعدون اليوم الا ارقاما للتصويت، وليسوا اصواتا للشعب.
ان مبادرة وطنية مثل هذه سوف تحسب لجميع المرشحين على السواء، كما انها يمكن ان تعيد الثقة بالعملية السياسية برمتها، وتدفع بعجلة الديمقراطية اشواطا طويلة للامام. وليتذكر الجميع ان ركيزة الديمقراطية الاساسية تقبع عند مستوى الناخب، وان واجب المرشح الاول هو الاستماع له. واريد ان اشدد هنا على ان الناخب غير راض عن المسيرة السياسية العرجاء. واذا ارادت الاطراف المتنازعة الان البقاء في مواقع المسؤولية فمن الحكمة ان تغير الطريقة التي تعمل بها، وان تبدأ في الاستماع الى من اوصلها الى تلك المواقع في الاصل.

Sunday, February 07, 2010

تنظيم القاعدة بين عشوائية الفكر واعتلال المنهج

السادس من تشرين الثاني، 2009. الميجر نضال مالك حسن، المواطن الاميركي من اصل فلسطيني، يفتح النار في قاعدة فورت هود، بولاية تكساس، على زملائه من الجنود الذين يستعدون لنشرهم في افغانستان فيقتل ويصيب حوالي خمسين منهم قبل ان تنال منه الاطلاقات الدفاعية، وان لم تؤد الى قتله.
الخامس والعشرين من كانون الثاني، 2006. يوم عيد الميلاد. المهندس الشاب عمر فاروق عبد المطلب، المواطن النيجيري الذي حصل على درجته الجامعية من بريطانيا، يحاول ان يفجر طائرة نورويست قبيل هبوطها في مطار ديترويت، لولا تدخل ركاب الطائرة ونجاحهم في منعه من اشعال صاعق القنبلة التي كان يحملها في ملابسه الداخلية.
الثلاثين من كانون الثاني، 2009. الطبيب هشام البلوي، المواطن الاردني المقيم في افغانستان يفجر نفسه وسط حشد من ضباط السي آي ايه فيقتل سبعة منهم بالاضافة الى ضابط مخابرات اردني من العائلة المالكة.
ثلاثة احداث وقعت خلال شهرين في ثلاث مناطق مختلفة، لكن يربطها جميعا رابط واحد: تنظيم القاعدة. وكما هو متوقع فان اسم القاعدة يرتبط بالتفجيرات والعنف والتحريض عليه، وباستحلال سفك الدماء تحت مبررات عديدة، بعضها مجرد استغراق في الاستعمال الى حد الاستهلاك.
غير ان من المؤكد ان لدى القاعدة اهدافا تتجاوز مبررات افعالها التي يقشعر لها البدن، ويندى لها الجبين. فماهي هذه الاهداف، وما هي الغاية التي تسعى القاعدة لتحقيقها بلا كلل ولاملل؟ هل هي لتحرير فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي؟ ام من اجل تحرير العراق وافغانسان من الاحتلال الاميركي؟ هل تهدف القاعدة لتحرير المستضعفين من الظلم والعدوان، ام لاقامة كلمة الله على الارض؟ هل تريد القاعدة ان تحيي الدين الذي تؤمن به، ام انها تخلق دينا جديدا تفرضه على البشر اجمعين؟
بدءا، لا يمكن فهم فكر تنظيم القاعدة على نسق الاصول التقليدية للفكر الانساني. فاي محاولة لتطبيق الجدل المنطقي على ادبيات القاعدة، بالاضافة الى نشاطاتها العنيفة غالبا، لابد ان تبوء بالفشل، بسبب ابتعاد تلك الادبيات والنشاطات عن العرف السائد في طرح الفكرة ومناقشتها. فهذا التنظيم لا يلجأ الى طرح الحجج المنطقية واستخدوم اساليب الاقناع المتعارفة، بل يتمترس بقداسة النصوص السماوية، معتبرا الخوض فيها خروجا عن اصول الدين، وبالتالي يتوجب الاذعان بدون مناقشة او محاججة. وهو غالبا ما يعمم المخصص عند تناوله للنص المقدس. كما ان القاعدة كفكر كثيرا ما تخرج في ادبياتها من مقدمات هزيلة بنتائج يقينية، بدون الحاجة الى الفحص والبرهان. وهي لا تحض على التفكر والتأمل، بل على الثأر والانتقام.
لنعد الى الاحداث التي اشرت اليها في صدر هذا المقال، حيث ذكرت ان الرابط فيها هو تنظيم القاعدة. لكن ما يدعو الى التأمل هو قدرة القاعدة على تجنيد نخبة الناس من اجل تحقيق مكاسب آنية، تتمثل في ضرب اهداف عشوائية لا تخرج منها باكثر من تهليل اعلامي بين انصارها، بغض النظر عن الاستنكار الواسع النطاق لهذه الافعال بين ابناء دينها وقوميتها العربية في الاصل.
بل ان ما يدعو للعجب اكثر من ذلك عدم سعي القاعدة لاستثمار تلك النخبة من اجل اهداف ابعد مدى، تعود عليها بفائدة اكثر ديمومة. لكن قادة القاعدة لا يرومون، فيما يبدو، ان يحققوا غاية ما. فهم لايريدون ان يقيموا دولة تدعو لمفاهيمهم ومبادئهم. وهم فشلوا في الاحتفاظ بتلك الدولة حينما استطاعوا فعلا ان يقيموها في افغانستان. هذا الفشل لم يكن بسبب العدوان الاميركي-الاطلسي عليهم، بل بسبب تعديهم على هذا الحلف الذي لا يشق له غبار في سوح الحرب الكبرى. ربما نجحوا في قض مضاجع الاميركيين والغربيين في العراق وافغانستان والصومال واليمن، لكنهم لم يستطيعوا ابدا ان يغيروا مجرى الاحداث بما يحقق امانيهم، او ان يحولوا مسار التاريخ لتمجيدهم.
كنت قد كتبت مقالا بعد هجوم الميجر نضال في قاعدة فورت هود، نشر على صفحات (المدى)، حاولت فيه ان استكنه سبب الهجوم ودوافعه. وقد خرجت بنتيجة ان الهجوم لم يكن من تدبير القاعدة، وان كان بوحي منها. واستندت في ذلك الى انه لو كانت القاعدة جندت الضابط الاميركي لخدمتها، ما كانت لتتخلى عنه من اجل ضربة خاطفة، مهما تكن موجعة. فذلك الطبيب الاميركي كان سيرسل قريبا الى افغانسان، وبالتالي فسوف يكون مصدرا مهما للمعلومات بالنسبة للقاعدة، يغذيها بما يجنبها الضرر، وما يعود عليها بالنفع. لكني كنت حتى ذلك الوقت ارى ان لابد للقاعدة من فكر تنظيري، وان عسر على الفهم.
واليوم بت اعتقد انها خلو من مثل هذا المنهج الفكري. وانها لا تعدو ان تكون عودة بالدين الاسلامي الى عهد الجاهلية، الى الغزوات البدوية التي لا يبررها سوى الرغبة في التسلط والتسيد بقوة السلاح. يستقي هذا التنظيم افكاره المشتتة من احداث بعينها، ليبني عليها نظرية اصولية متطرفة، بل عنصرية شوفينية مقيتة لا ترى صلاحا في الاخر، تحل قتله بلا وازع من ضمير، او رادع من دين.
في اوائل فترة الغزو الاميركي للعراق، وقعت وثيقة موقعة من ابي مصعب الزرقاوي، قائد هذا التنظيم في فرعه بالعراق، بايدي المخابرات الاميركية. تحث هذه الوثيقة على قتل ابناء الطوائف العراقية من اجل خلق الفتنة بينهم، وجرهم الى حرب اهلية. ولو كان الهدف من ذلك الوصول بقادة القاعدة الى سدة الحكم في العراق لهان الامر. لكن تلك الوثيقة لم تدعُ الى ذلك مطلقا، كان كل ما ارادوا هو ان يقلقوا الاميركيين في العراق، قبل ان تتولى حكومة عراقية مقاليد الامر في بلادها، فيصبح من العسير القيام بهذا الامر بعد ذلك. لقد خاب ظن الزرقاوي في كلا الامرين، وان نجح في زرع فتنة عصفت بالعراقيين عامين مريرين.
جندت القاعدة في العراق شيوخ قبائل واطراف القوم، ولو كان لها فكر لبيب لاحتفظت بهم. انقلبوا عليها بعد ان رأوا ظلمها ووحشيتها وتجردها من الانسانية، فضلا عن خلوها من الهدف والغاية التي تحرك افعالها. لا اعتقد ان مجالس الصحوة في غربي العراق ومناطق اخرى هي من شطحات افكار القادة الاميركيين، بل اكاد اجزم انها وليدة انقلاب حقيقي على الربيب الذي صار سيدا لا ينازع في ارضهم وبلدهم. هُزمت القاعدة في غرب العراق لانها لم تسعَ للنصر، بالحكمة القيادية والحنكة السياسية، بل بالتسلط والتزمت واستغلال الموارد المتاحة بنفس الطريقة التي كان الاستعمار يفعلها في غابر الزمان. تحرر غرب العراق من استعمار القاعدة بثورة شعبية، بعد ان خاب الظن بالمحتل، الذي تجسد له بصورة المخلـّص.
الطبيب الاردني حمل معلومات قيمة للاستخبارات الاميركية والاردنية، على زعم ضباطهما. لاشك انه خدم القاعدة التي جندته من قبل اكثر من ذلك، من خلال صلاته بالاميركيين في افغانستان. لكن ذلك لم يمنع القاعدة من الاستمرار في العمل معه وتجنيده لعملية محدودة الاثر، وان كانت ذات تأثير نفسي ومعنوي كبيرين، وصدى اعلامي واسع النطاق.
يصف زملاء عمر فاروق، الشاب الذي همّ بتفجير طائرة عيد الميلاد، بانه لمّاح ذكي. وهو يتحدر من اسرة ثرية وشغل ابوه مناصب مرموقة في بلده. اذا، لماذا لا تحاول القاعدة ان تستثمر هذه الامكانيات لخلق جديد من قادتها؟ لماذا لا يظهر دم جديد لقيادة القاعدة، قوامه اطباء ومهندسين وحملة شهادات جامعية، يمكن التنظيم من مواجهة تحديات العصر؟ لان قادتها لا يتخلون عن قيادتها حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. انهم منشغلون في التخطيط للعملية تلو الاخرى بدون ان يكون لهم هدف من ذلك سوى رغبتهم الذاتية وشعورهم الآني بالعظمة. قد يفطن القاريء الى ان هذا هو بالضبط نهج الدكتاتورية، سوى ان تلك تهدف الى الابقاء على شخص الحاكم في سدة الحكم. وارى ان قادة القاعدة ينسبون لانفسهم وضعا حاكميا على اتباعهم في ارجاء المعمورة. هؤلاء الاتباع ليسوا شعبا، ولا يقطنون وطنا. انهم مريدون لفكرة تمخض عنها وضعهم البائس، عصفت بهم الازمات، والمت بهم المصائب، فلجأوا الى عصبة التطرف وظلمة الانغلاق. انهم اناس عاديون حولتهم العولمة، والثورة المعلوماتية الى جهابذة الفكر. بات حصولهم على ظاهر العلم سهلا يسيرا، فتخلوا عن اصولية المدرسة وتهذيب المعلم، حتى صاروا معلمين انفسهم.
لا تفتأ القاعدة ومريدوها من دعوات القتل والسفك الجماعي للدماء، مهما كانت الضحية. ان كان قتلى خوست ضباط مخابرات من الاعداء، واذا كان جنود فورت هود محاربين محتملين، فمن هم ركاب طائرة الايرباص فوق ديترويت؟ ماذا جلب قتل ضباط المخابرات والجنود في المعسكر لعناصر القاعدة؟ المزيد من القوات. المزيد من القتال المنهك، الذي يأكل ضحايا من المدنيين الابرياء العزل اضعاف ما يفقده طرفي النزاع.
ليس للقاعدة من غاية. قادتها يئسوا من كرسي الحكم، فتسيدوا على رقاب آخرين جرفهم موج عارم الى ضفتهم فصاروا ثلة من الاتباع الذين "ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا." اوجدوا ملة تدعو للقتل على الشبهة، قبل ان تدعو للهداية. ذلك انهم لا منار لهم يهتدي به الناس. عصبة إئتلفت على البغضاء والحقد على الغير، لا على المودة والتراحم بينهم. حينما تخرج امرأة للتسوق في بغداد، او يدلف عابد الى مسجده في بيشاور، يسألون انفسهم أي الطرقات يسلكون حتى لا يتحولوا الى اشلاء في تفجير انتحاري تفخر القاعدة بحمله اليهم. كيف لهم ان يصبحوا انصارها ومواليها؟ ولمن تبث القاعدة رسالتها؟
لكن دعوتها في اتساع، واتباعها في ازدياد. انصار القاعدة ليسوا اناسا آمنوا بفكرها، بل هم افرادا مغرر بهم، بهرهم منهجها وبريق دعوتها في الخلاص عن طريق الموت استشهادا. قتل النفس المحرم في كل الشرائع السماوية اضحى اصلا في الدعوة السقيمة لهذا التنظم، ولجأ اليه من ضاقت به الارض وتقطعت به السبل. هؤلاء الاتباع اصبحوا امة تميز نفسها بالايمان وتصم ما سواها بالكفر والضلالة. عصبة القاعدة التفت في عصبية الجاهلية، تجمعها نزعة عنصرية ترى في نفسها تفوقا على الغير يؤهلها لسلب الحياة وتخريب الحرث والنسل.
القاعدة حركة عنصرية. ليست عنصرية في دينها، او عرقها، او قوميتها. انها عنصرية في اعتقادها بان لا قيمة لكل من يخالفها، وعدم اكتراثها حتى لحاضنتها. ولهذا يجب ان يحظر فكر القاعدة عالميا، وان تمنع من استخدام الوسائل التقنية والاتصالات الحديثة في ايصال رسالتها الظلامية. يجب ان يُعد كل من يسوق لنهجها ويطبل لافكارها خارجا عن القانون.
قد تبدو دعوتي هذه ساذجة. لكني انما ادعو الى ضم الصفوف والمطالبة بموقف عالمي، عن طريق الامم المتحدة، اتجاه هذا التنظيم حتى يبين الخيط الابيض من الخيط الاسود. وان حدث يوما وصنفت القاعدة على انها ليست فقط تنظيم ارهابي، بل على انها حركة عنصرية، فعسى ان يكون ذلك رادعا لمن يدعو لها، ويجردها من ادعاء الشرعية كونها حامي حمى الدين الاسلامي. وحبذا لو تبنت البلدان العربية والاسلامية مثل هذه الدعوة، ليكون لها الصدارة في التصدي لتلك العصبة الفاسدة، ومحاربة نهج التسقيط والتكفير الذي تدعو اليه.