Saturday, March 24, 2012

قمة المكاسب والخيبات

نشرت وسائل الاعلام العراقية تفاصيل عن بعض ما سينفق من اموال وموارد لغرض استضافة القمة العربية المقررة ببغداد أواخر الشهر الجاري. وتحدثت المصادر عن تخصيص مئة مليار دينار عراقي كميزانية للنفقات، ونشر مئة الف عنصر امني لتوفير الحماية للوفود المشاركة فيها.
وفيما يتشكك الكثيرون بقيمة هذه القمة العربية في الوقت الراهن، يؤكد آخرون انها ضرورية لإعادة العراق الى محيطه العربي واستعادة دوره الاقليمي الذي فقده منذ غزو قوات صدام للكويت وما تلاه من احداث عزلت العراق عن الدول العربية والعالم ككل. لكن السؤال عن الفائدة المرجوة منها لشعب العراق يبقى مطروحا دون اجابة واضحة.
مما لا شك فيه ان تخصيص الموازنات الخيالية لمثل هذه المناسبات سوف يؤثر على المشاريع التنموية الضرورية لخدمة المواطن العراقي، ومنها ما يخص البنى التحتية المتهالكة في قطاعات شتى نحن في غنى عن تعريفها. كما ان استدراج العناصر الامنية من محافظات العراق المختلفة يمكن ان يؤدي الى احداث فراغ او فجوة امنية هنا او هناك قد تستغلها العناصر التخريبية لافتعال احداث اجرامية تثير فزع الوفود المشاركة، ويكون ضحاياها –بالطبع– افراد من الشعب العراقي. ومن المعلوم ان اهداف تلك المجاميع الارهابية لا تقتصر على بغداد، بل انها نشطة في كل مكان في العراق كما اثبتت الوقائع على مدى السنوات التسع الماضية.
وفي نفس الوقت، تبقى الازمة السياسية تراوح مكانها بدون ان تظهر بوادر لحلول، ناهيك عن التوصل الى اتفاقات تقود في آخر الامر الى احلال الاستقرار السياسي والامني في البلاد. وتبقى مسألة تعيين الوزراء الامنيين غير مطروحة للنقاش على الرغم من الخروقات الامنية الفاضحة التي تحدث بين الحين والآخر. ويظل رئيس مجلس الوزراء المتحكم الاول بالشأن الامني، على مستوى قيادة القوات المسلحة، ووزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني، على الرغم من طبيعة وظيفته التي يفترض ان تكون مدنية بامتياز.
ان انعقاد القمة العربية في العراق لا يمكن ان يعد مكسبا لحكومته فقط، الا اذا ارادت هذه الحكومة ان تحسبه في لائحة "منجزاتها". ومما يبدو اليوم، فان حكومة السيد المالكي لا تعير انتباها كافيا لما يريده المواطن العراقي، وما يعتقده حول تلك القمة. فلم نشهد عقد مؤتمرات محلية او وطنية تعمل على الاستماع للمواطنين بما يخص القمة، او ان تسعى الحكومة الى توضيح وجهة نظرها حول الاسباب الداعية الى عقدها في بغداد والنتائج المتوخاة منها. وكأن افراد هذا الشعب ليس لهم قول في الاحداث السياسية التي تقع في بلادهم رغم انهم سوف يدفعون ثمنها مالا، ودما، وعرقا في السيطرات الامنية التي ستنتشر بالالاف في كافة المناطق بلا شك.
ان كان يحلو للبعض ان يسميها قمة المالكي، فيا لبؤس تلك القمة، ويا لشقاء من يستضيفها. فهل دفعنا ثمن الغزو الاميركي دماء زكية، ودمارا شديدا، ورعبا غير مسبوق، وكلنا أمل في التحرر من سلطة الشخص الواحد، واعناقنا تشرئب الى السماء فخرا باننا اول من سيقطف ثمار الديموقراطية حديثة العهد في المنطقة، اقول هل نقوم بعد كل هذا بالتهليل لفرد واحد ونعزو مكاسبنا لشخصه؟ وهل سوف يكون المالكي بعد تلك القمة، جمال عبد الناصر الثاني، فيحقق ما عجز غيره عن فعله، من ايقاف سفك الدماء في سوريا على يد السلطة الجائرة، الى تحقيق بعض من الطموحات التي يتشارك فيها معظم الناطقين بلغة الضاد، وعلى رأسها ايجاد نوع من الوحدة بين البلدان العربية تذكر بماضيها المجيد وتدفع بها الى المستقبل المشرق. ان مجرد التفكير بهذه الامور يدفعني للضحك. فكم من العراقيين يؤمن فعلا بضرورة الوحدة العربية، بعد ان تم تجيير هذا المصطلح على يد الانظمة المتتالية في معظم الاقطار العربية واستخدامه وسيلة لقهر شعوبها؟ نعم، ان مبدأ الجامعة العربية انما يقوم في الاساس على مبدأ تحقيق الوحدة العربية. فان كان ما سلف صحيحا، فان من سخرية القدر ان نسعى بكل ما أوتينا من مال ورجال لاستضافة هذه القمة، التي لا اشك اننا سوف ننسى كل ما دار فيها في اليوم التالي لانفضاضها.
من المؤكد ان تلك القمة سوف تنعقد بجدول اعمال معين، لكن هناك خارج مجمع القصور الرئاسية جدول اعمال ثان. قد تسنح الفرصة للمخربين في مدن بعيدة للقيام بعمليات ارهابية فقط للتشويش على القمة. وقد تهب عاصفة من التصريحات النارية بين الفرقاء السياسيين المتنازعين منذ دهور، ما يخلق حالة من التوتر لدى ابناء الشعب وهم يتوقعون الاسوأ. ومن المحتمل ان تلجأ الحكومة الى فرض حظر التجوال الكلي او الجزئي في مناطق من بغداد والمحافظات العراقية الاخرى مما يؤثر سلبا في حياة المواطن. اما ما تخصصه لميزانية تلك القمة فهو ضياع آخر للموارد الوطنية التي لم يعد يفكر فيها الكثيرون.
نحن لسنا ضد عقد القمة في بغداد، فهذا استحقاق وطني. لكننا لا نرى اننا نشارك في تلك القمة كشعب او امة، بل كحكومة. وهذا هو ما كنا نخشاه منذ اليوم الاول. فالحكومة بمفهومنا يجب ان تكون ممثلة لنا بما يكفي حتى لا يسعى احد لتسجيل منجزاتها على حسابنا. والقمة العربية التي ستعقد قريبا ليست الا مكسبا آخر لرئيس الوزراء، وخيبة أمل اخرى للشعب.

Saturday, March 03, 2012

المالكي والقمّة العربية .. صفقة أم تفاهم؟

تداولت وكالات الأنباء بيانا صحفيا صادرا عن مكتب رئاسة الوزراء يقول فيه السيد المالكي إن العراق "يؤيد التغيير في سوريا" مبيناً أن " التغيير ضرورة والأوضاع فيها لن تستقر من دونه". وهو تبدّل لافت لموقفه المعلن سابقا تجاه الأزمة السورية، وخصوصا تصريحه في المؤتمر الصحفي الذي جمعه والرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، حينما قال: "ليس لدينا الحق بدعوة رئيس للتنحي، لا يمكننا منح أنفسنا هذا الحق"، وذلك قبل أكثر من شهرين بقليل.
فما الذي تغيّر في هذه الفترة القليلة حتى ينقل السيد نوري المالكي موقفه من جهة إلى الجهة المقابلة؟ ربما يقول البعض إن نظام الأسد قد بالغ في التصدي للثورة التي يقوم بها الشعب السوري، وانه قد حَمل حتى أكثر الناس قربا منه على التخلي عنه والنأي بأنفسهم عن وحشيته المفرطة في مواجهة شعبه الأعزل. ألم ترَ أن بعض الدول العربية قد أصبحت تطالب جهرة بتسليح المعارضة بعد أن طفح بها الكيل، ويئست من أية حلول سلمية أو توافقية لتلك الأزمة التي شارفت على إتمام عامها الأول؟ فليس من المستغرب إذا يتخلى المالكي عن الأسد بعد كل هذا.ومن جهة أخرى يقال إن المالكي قد عقد صفقة مع جامعة الدول العربية مفادها أن يغير موقفه من الرئيس السوري مقابل السماح بعقد القمة المقبلة في بغداد. وإذا كان مثل هذا الأمر حقيقيا فإنه لا قيمة لتلك القمة ولا لمكان انعقادها، ولا حتى لما تتوصل إليه من قرارات. نعم، في عالم السياسة المتحول، تقوم الدول وقادتها وسياسيوها بشراء المواقف، بالمال والسلاح والمعونات ،وبالضغط والترغيب والتهديد والوعيد، وبطرق كثيرة أخرى. لكن تغيير موقف دولة تجاه جارتها مقابل عقد مؤتمر فيها سيكون سابقة، وسيكون قد أخذ بأبخس الأثمان. أقول لا قيمة لقمة تعقد بصفقة مع مضيفها أصلا لأن موقف باقي الدول لن يكون خارج هذه الصفقة بأية حال، وسيكون لكل صوت ثمن، مع حاجة الكثير من الدول العربية إلى صفقة من نوع أو آخر.
لكن من الراجح إن دول الخليج العربية أعربت في مداولات خاصة مع حكومة المالكي عن قلقها حيال موقف العراق من الأزمة السورية. فهل كان المالكي يسعى لتهدئة تلك الهواجس قبل القمة من اجل ضمان حضور عربي عالي المستوى، وإنجاح أول مؤتمر قمة عربي يعقد في العراق منذ عقود؟ هل انه يستخدم التصريحات العلنية وسيلة لاجتذاب القادة العرب ولو على حساب موقفه المعلن قبل فترة وجيزة؟لقد كان تصريح المالكي في البيت الأبيض غريبا في الأساس. ففي حين انه استهجن دعوة الأسد إلى التنحي، كان مضيفه، باراك أوباما، قد فعل ذلك بالفعل مرارا وتكرارا، كما وجهت الكثير من الدول الأوروبية وعدد من الدول الأخرى دعوات مماثلة للرئيس الأسد لمغادرة منصبه، سواء كان الغرض من تلك الدعوات التخلص من نظام الأسد، أو حقناً لدماء الشعب السوري. ولا يمكن لنا أن ندّعي أن المالكي أكثر منهم خبرة في القانون الدولي، أو أطول منهم باعا في السياسة الدولية. ولو عمل العالم بنصيحة المالكي بعدم دعوة الرؤساء للتخلي عن مناصبهم، لما كان هو اليوم في السلطة. لذلك قد لا يكون تصريح المالكي تغييرا في الموقف بقدر ما هو تراجع عن تصريحه السابق الذي ربما أراد به التعبير عن استقلالية عن الموقف الأميركي دون أن يقصد حقيقة دعم النظام السوري، خصوصا بعد صدور اتهامات كثيرة بتبعية المالكي لإيران التي تدعم بشكل صريح نظام الأسد. فاليوم يريد السيد رئيس الوزراء أن يعلن استقلاله عن القرار الإيراني بعد أن أوضح استقلاله عن القرار الأميركي قبل شهرين.
إن مسألة عقد القمة العربية باتت اليوم ضرورة ملحة بعد أن طال تأجيلها لأكثر من عام. وإذا كانت ظروف التأجيل مازالت قائمة، فإن على الدول العربية أن تمضي قدما في الالتئام تحت راية جامعتها بأي حال. فالثورات العربية المتزامنة، وتغير الأنظمة الحاصل يفرض على كل الأنظمة العربية أن تسعى إلى تفعيل منظومتها الإقليمية لمنع التأثيرات الوخيمة لاحتمالات الحرب الأهلية في غير واحدة من هذه الأقطار. كما أن استحقاق العراق في عقد القمة ليس محل مساومة، والمالكي يدرك ذلك جيدا. ولكنه بنفس الوقت يرغب في تفعيل دور العراق في منظومة العمل العربي المشترك، ولا يريد أن يظهر بمظهر المعاكس لها. لذلك لا أرى أن هناك صفقة وراء عقد القمة في بغداد، ولكنه تفاهم صامت يفهمه كلا الطرفين.
من ناحية أخرى، قد لا تخرج القمة المرتقبة بقرارات مصيرية في ما يتعلق بسوريا. فالقضية السورية أضحت اليوم أمام مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة. وإذا كان مجلس الأمن قد فشل بالفعل في إدانة النظام السوري وتحميله مسؤولية أفعاله المشينة تجاه شعبه، فإن المجتمع الدولي سيواصل التحرك لحين التوصل إلى صيغة توقف حمّام الدم في سوريا، وترغم الرئيس السوري على الانصياع لرغبات شعبه. ربما ستكون القمة العربية قضية بروتوكولية ولكنها ستبقى مهمة من الناحية الستراتيجة، بما يتوقع منها أن تناصر الشعب السوري وأن تقدم الدعم للقرارات الوزارية السابقة لمجلس الجامعة القاضية بتعليق عضوية النظام السوري وفرض العقوبات الاقتصادية عليه. وإذا تم هذا فإن التفاهم الصامت بين العراق والجامعة العربية سيكون قد أنجز على خير وجه.