Monday, January 14, 2008

اصلاح التقويم اليولياني ومراحل التحول نحو التقويم الغريغوري

يعتبر التقويم الغريغوري اكثر التقاويم استعمالا في العالم اليوم. وهو عبارة عن اصلاح للتقويم القديم الذي وضعه يوليوس قيصر. وكان اول من اقترحه الطبيب والفيلسوف والفلكي والمؤرخ الويسيوس ليليوس من كالابريا في جنوب ايطاليا، ثم اصدر البابا غريغوري الثامن امرا بابويا بتطبيقه في 24 شباط 1582. يحتوي التقويم الغريغوري على نفس نظام ترقيم الاشهر والسنوات لسلفه التقويم اليولياني، وبالمثل فانه يعتمد في حساب السنين على مولد المسيح. وبسبب ان السنة اليوليانية اطول قليلا من الواقع، فان موعد الانقلاب الربيعي خصوصا كان يتأخر مع مرور السنين مسببا تأخير موعد الاحتفال بعيد الفصح لدى المسيحيين. وقد اصلح التقويم الغريغوري هذا الخطأ باسقاط 10 ايام من التقويم السابق حتى يتواءم مع التوقيت الحقيقي للفصول،

كما تم اعتماد القاعدة التالية في حساب السنوات الكبيسة: تكون السنوات التي تقبل القسمة على 4 سنوات كبيسة ما عدا التي تقبل القسمة على 100 تكون سنوات عادية، غير ان السنوات التي تقبل القسمة على 400 تبقى كبيسة. وعلى هذا فان السنوات 1700، 1800، 1900 لم تكن كبيسة بينما كانت سنة 2000 كبيسة. والتغيير هنا هو انه حسب التقويم اليولياني فان كل سنة تقبل القسمة على 4 هي سنة كبيسة من دون استثناء.
يعتمد النظام الغريغوري على احتساب كل 146,097 يوماً مساويا لمدة 400 سنة (وهو ايضا مساوٍ لفترة 20,871 اسبوع بالتمام)، وهذا يعني انه يجب اعتماد 303 سنوات اعتيادية (ذات 365 يوما) مقابل 97 سنة كبيسة (ذات 366 يوما) في كل 400 سنة. ومن المعلوم انه في السنة الكبيسة يتم اضافة يوم واحد الى شهر شباط ليكون 29 يوما بينما يكون طوله 28 يوما في السنوات الاعتيادية.
الدافع لاصلاح التقويم
يعود السبب في اجراء الاصلاح الى رغبة الكنيسة الكاثوليكية الى الاحتفال بعيد الفصح (او عيد القيامة) في نفس الوقت الذي اقرّه المجمع الكنسي الاول، والذي عقد في نكايا التركية برعاية الامبراطور قسطنطين الاول عام 325 للميلاد. وكانت الكنيسة في الاسكندرية تحتفل بعيد الفصح في اول يوم أحد بعد اليوم الرابع عشر للقمر على ان يكون بعد الانقلاب الربيعي الذي اعتبروه موافقا لـ 21 آذار. اما كنيسة روما فقد كانت تعتبر 25 آذار هو يوم الانقلاب الربيعي حتى عام 342. وحسب كنيسة الاسكندرية فان عيد الفصح قد يقع بين 22 آذار و25 نيسان. لكن كنيسة روما منعت الاحتفال بعيد الفصح بعد 21 نيسان لانه يوم الاحتفال بعيد تأسيس روما وعيد الرعاة وهي مهرجانات وثنية. وعلى هذا يكون عيد الفصح لدى كنيسة روما بين 20 آذار و19 نيسان. وعلى الرغم من الاختلاف بين الكنيستين، فقد كانت هناك دائما طرق لتوحيد يوم الاحتفال. وبحلول القرن العاشر الميلادي فان جميع الكنائس اعتمدت طريقة الاسكندرية في الاحتفال بالعيد باستثناء المناطق الشرقية في الامبراطورية البيزنطية.
اضافة الى ذلك فان احتساب الشهر القمري كان مثبتا حسب التقويم اليولياني بدورة من 19 سنة. اي ان كل 19 سنة شمسية تعادل 235 شهرا قمريا، بهامش خطأ يبلغ ساعتين عن الطول الحقيقي، او يوم واحد كل 310 سنوات. وهكذا، فقد بلغ الفرق بحلول القرن السادس عشر اربعة ايام كاملة.
نتيجة لذلك قرر المجمع الكنسي المنعقد في ترنت عام 1563 تصحيح الخطأ في التقويم لاعادة يوم الانقلاب الربيعي الى ما كان عليه حين انعقد المجمع الكنسي الاول عام 325. وتوجب اجراء التصحيح على مرحلتين، الاولى ايجاد الطول الحقيقي للسنة الشمسية، وقد تم تحديد القيمة بـ 365.2425 يوما (وهي اكثر قليلا من القيمة الحقيقية البالغة 365.24219 يوما، الامر الذي دعى العالم البريطاني السير جون هيرشل في القرن التاسع عشر الى اقتراح ان يتم اسقاط سنة كبيسة اخرى كل 4000 سنة لتعويض الفرق – اي ان يكون العام 4000 سنة اعتيادية رغم انها تقبل القسسمة على 400).
اما المرحلة الثانية فقد تمثلت بانشاء نظام تقويم جديد بسيط نسبيا. وقد اقترح العالم ليليوس اسقاط عشرة ايام من التقويم واحتساب 97 سنة كبيسة كل 400 سنة (بدلا من 100 سنة كبيسة حسب التقويم القديم، كما تقدم آنفا). كما تم تعديل دورة الـ19 سنة الشمسية المقابلة للاشهر القمرية باضافة يوم واحد كل 300 او 400 سنة (ثماني مرات في مدة 2500 عام) الى جانب التصحيحات التي ستجري على الاعوام 1700، 1800، 1900، 2100، الخ، وهي التي اعتبرت سنوات غير كبيسة. وقد اقترح ليليوس ان يتم اعتبار جميع السنوات العشر الكبيسة التالية (في مدة اربعين عاما) سنوات اعتيادية لغرض تطبيق التصحيح، غير ان البابا غريغوري اراد ان يكون التصحيح دفعة واحدة وليس بالتدريج. وهكذا، فقد تم اصدار امر بابوي باعتبار يوم الجمعة 5 تشرين الاول 1582 حسب التقويم اليولياني القديم هو يوم 15 تشرين الاول 1582 حسب التقويم الجديد.
مراحل تطبيق التقويم الغريغوري
برغم ان اصلاحات غريغوري للتقويم قد اتخذت شكل امر باوبوي الا ان تنفيذها كان بحاجة الى اوامر من السلطات المدنية في كل بلد ليصبح لها تأثير قانوني. وهي وان اصبحت قانونا في الكنيسة الكاثوليكية، لم تعرها الكنائس البروتستانتية او الكنائس الارثوذكسية او الكنائس الاخرى اهتماما يذكر. نتج عن ذلك ان الاحتفال بعيد الفصح كان يجري في ايام مختلفة باختلاف الكنائس المسيحية.
في البدء تم تطبيق التقويم الغريغوري في اربعة بلدان كاثوليكية هي اسبانيا والبرتغال واتحاد بولندا – ليتوانيا بالاضافة الى ايطاليا. تبع ذلك مستعمرات كل من اسبانيا والبرتغال بسبب بطئ حركة المواصلات عندذاك. ثم تحولت فرنسا الى التقويم الجديد باعتبار يوم الاثنين 20 كانون الاول 1582 لاحقا ليوم الاحد 9 كانون الاول 1582. كما تحولت ولايتين فقط من ولايات الاراضي المنخفضة السبعة هما هولندا وزيلندا الى التقويم الغريغوري في كانون الاول من ذلك العام برغم انها اقطارا بروتستانتية.
بيد ان معظم البلدان غير الكاثوليكية عارضت مبدئيا تطبيق فكرة ذات مصدر كاثوليكي، خصوصا في فترة (الاصلاحات المقابلة) التي كان البابا غريغوري من اشد المتحمسين لها. وقد خشي بعض البروتستانتيين ان يكون التقويم الجديد مجرد وسيلة لاعادتهم الى حضيرة الكنيسة الكاثوليكية. كما عارضت التشيك تطبيق التقويم الجديد لكونه مفروض من قبل عائلة هابسبورغ المالكة. كذلك الحال في ايرلندا الكاثوليكية التي كان نبلاؤها يخوضون حرب الاعوام التسعة ضد الحكومة الايرلندية المعينة من قبل الملكة اليزابيث، ملكة بريطانيا البروتستانتية. وقد طلبوا اذنا خاصا من البابا بتعليق تطبيق التقويم الجديد حتى لا يظهروا بمظهر العاصي في عين البابا.
وفي مطلع عام 1700 اعتمدت كل من الدنمارك والنرويج والولايات الالمانية البروتستانتية التقويم الجديد، لكنهم لم يأخذوا باصلاحات الاشهر القمرية. ولغرض المحافظة على تحديد عيد الفصح فانهم قرروا ان يعتمدوا على جداول العالم الفلكي كبلر التي اصدرها عام 1627. غير انهم عادوا وتبنوا الجزء المتعلق بالاشهر القمرية من الاصلاحات عام 1776. كما اعتمدت الولايات المتبقية من جمهورية الاراضي المنخفضة التقويم الجديد عام 1700.
اما السويد فقد اتخذت طريقة ثانية في تطبيق التقويم عام 1700. حيث قررت اغفال السنوات الكبيسة جميعا بين عامي 1700 و1740 (لان الفرق اصبح 11 يوما عندئذ). نتج عن ذلك ان التقويم السويدي اصبح غير متوافق مع كل من التقويم اليولياني والتقويم الغريغوري على مدى 40 عاما، مسببا الكثير من الفوضى في تأريخ الاحداث خلال هذه السنوات. ومما زاد الطين بلة ان النظام طبق بشكل سيء حيث لم يتم اغفال السنوات الكبيسة بين عامي 1704 و1708. وعليه فقد قرر الملك جارلس الثاني عشر التخلي عن التطبيق التدريجي للتقويم، لكنه اعاد العمل بالتقويم اليولياني بدلا من التقدم باتجاه التقويم الغريغوري. ولغرض التوافق مع التقويم القديم فقد تقرر ان يكون شباط من عام 1712 ذا 30 يوما لاضافة اليومين التي الغيت سابقا. غير ان السويد طبقت النظام الغريغوري اخيرا عام 1753، ولحقت بها في كل ذلك فنلندا حيث انها كانت تحت الحكم السويدي.
اما بريطانيا والامبراطورية البريطانية (بضمنها المستعمرات الغربية التي اصبحت الولايات المتحدة الامريكية) فقد تبنت التقويم الجديد عام 1752 بالغاء 11 يوما من تقويمها، ليكون يوم الخميس 14 ايلول 1752 لاحقا ليوم الابعاء 2 ايلول. وتم تطبيق التغيير في الاسكا عام 1867 بعد ان اشترت الولايات المتحدة هذه المقاطعة من روسيا. وفي روسيا ذاتها تأخر تطبيق التقويم الغريغوري حتى عام 1918، بعد عام واحد من ثورة اكتوبر. وكانت اليونان اخر بلدان اوربا الشرقية الارثوذكسية في تطبيق التقويم الجديد في عام 1923.
وفي اسيا، كانت اليابان اول من طبقه عام 1873، تلتها كوريا عام 1896، ثم الصين عام 1912، لكن امراء الحرب المختلفين فيها اتخذوا تقاويم مختلفة. وبعد توحيد الصين تحت قيادة الحزب الوطني الصيني فقد اتخذت الحكومة قرارها بوضع التقويم الغريغوري موضع التنفيذ اعتبارا من الاول من كانون الثاني 1929.
عيد الميلاد بين الكنائس الغربية والشرقية
وبالرغم من توالي تطبيق التقويم الغريغوري في البلدان المختلفة، رفضت الكنائس الارثوذكسية الاعتراف به. بدلا من ذلك قررت ان تعتمد تقويما يوليانيا معدلا، باسقاط 13 يوم من عام 1923. ثم وضعت طريقة ثانية لاحتساب السنوات الكبيسة من شأنها ان تبقى متوافقة مع التقويم الغريغوري حتى عام 2800. وقد اختارت البطرياركيات في القسطنيطينة والاسكندرية وانطاكيا واليونان وقبرص ورومانيا وبولندا وبلغاريا ان تتحول الى التقويم المعدل بينما رفضته بطرياركيات القدس وروسيا وصربيا وجورجيا.
وهكذا فان هذه الكنائس تحتفل بيوم مولد المسيح الموافق 25 كانون الاول حسب التقويم اليولياني وهو ما يقابل 7 كانون الثاني في التقويم الغريغوري. بينما استمرت جميع الكنائس الشرقية الارثوذكسية الاخرى (القبطية، والاثيوبية، والاريتيرية، والسريانية، والارمنية) بالاضافة الى الكنيسة الاشورية في الاحتفال بمناسباتها في مواقيت ثابتة حسب التقويم اليولياني. هناك استثناء واحد بين الكنائس الشرقية الارثوذكسية وهي الكنيسة الفنلندية، حيث اعتمدت التقويم الغريغوري رسميا، مما جعلها عرضة للانتقاد بين باقي الكنائس الشرقية.
تبعة تغيير التقويم في العراق والبلدان العربية والاسلامية
تحولت تركيا الى التقويم الغريغوري عام 1925، بعد ان كانت تعتمد التقويم الهجري القمري، ضمن سياسيات مصطفى كمال اتاتورك العلمانية. اما باقي البلدان العربية والاسلامية فقد احتفظت بتقويمها الهجري الى ان تغيرت انظمتها السياسية في اواسط ونهايات القرن العشرين، حيث تم اعتماد التقويم الغريغوري بشكل آلي. ومن هنا نشأ المصطلح المعروف بـ(كانون العرب، او شباط العرب، او آب العرب، الخ) في العراق.
فقد كان التقويم الميلادي ثانويا في العراق اثناء الاحتلال العثماني شأنه في ذلك شأن باقي الدول الاسلامية، ومنها تركيا. ولكن التقويم الميلادي مفيد من ناحية ضبط مواقيت الزراعة والحصاد، بالاضافة الى توقعات الفصول والانواء الجوية، اذ ان التقويم الهجري يعتمد على الاشهر القمرية في الاساس وهي لا تتوافق مع حركة الارض حول الشمس، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها في مثل هذه الامور.
وقد اكتسب الشعب العراقي خبرة في تحديد مواعيد التغيرات بدقة متناهية، بل واعطى تسميات معينة لهذه التغيرات مثل (جويريد، المربعانية، برد العجوز، غرور المعيدي، وغيرها) بالاضافة الى تقسيم شهر آب المذهل الى ثلاثة اقسام (العشرة الاولى: حار جدا، والعشرة الثانية: حار صباحا معتدل مساءا، والعشرة الثالثة: تفتح للشتاء بابا). هذه المواسم عينت على مدى قرون حسب التقويم اليولياني الذي كان ثانويا في الدولة العثمانية ومستعمراتها. ومع قدوم الاستعمار البريطاني وتحول التقويم الثانوي الى الغريغوري، نشأ اختلاف في التوقيتات مقداره 13 يوم، هي مقدار تأخر التقويم اليولياني عن الغريغوري. لذلك حين تسأل كيف يكون الطقس حارا رغم اننا في شهر ايلول، غالبا ما يقال لك ان ايلول العرب لم يأت بعد، وانه يأتي متأخرا عشرة او احد عشر يوما عن ايلول الغرب. كما ان الكنائس في العراق، وهي التي كانت تضبط السنة الميلادية، لم تتحول الى التقويم الغريغوري كما مر آنفا، ولذلك لم يلتفت العراقيون الى حدوث مثل هذا التغيير الا بعد الاحتلال البريطاني. ومن الممكن انهم لم يسعوا الى تغيير التوقيتات تبعا للتقويم الجديد كجزء من عملية المقاومة للاحتلال.

Monday, January 07, 2008

اشكالية الاعلام الحر في مواجهة اعلام الدولة

عطفا على مقال الاستاذ عبد الزهرة زكي المنشور في المدى (العدد 1119 الصادر في 29 كانون الاول 2007) والموسوم "الاستقطاب والخلافات الحادة تعيق استقلال الاعلام"، اود الاشارة الى قضيتين تمثلان عقبة كأداء في تطور الاعلام كصناعة وتقضيان على امال استقلالية السلطة الرابعة، حتى بعد ان تتحرر البلاد من نير الارهاب والعصابات الاجرامية.

القضية الاولى: اعلام الحكومة
لقد كان تشكيل شبكة الاعلام العراقي نقطة تحول في ايجاد نظام اعلامي غير خاضع لسلطة الدولة وان كان يتلقى تمويله منها، متخذا هيئة الاذاعة البريطانية مثالا يحتذى في هذا المضمار. لكن ظروف توفير التمويل والنزاعات حول تعيين قياداتها متمثلة في رؤوساء مؤسساتها الاعلامية أنحت جانبا الهدف المرجو منها والمتمثل في اعلام مستقل يعمل على اصلاح شؤون الدولة كموسسة شبه دستورية محمية بمفهوم حرية التعبير، لتحدد اهدافا مرحلية طغت عليها الظروف الخاصة والحرب الشرسة ضد الارهاب.
وقد سعت الشبكة فيما يلي الى استقطاب وسائل الاعلام المطبوعة المحلية التي نشأت بعد تغيير النظام والتي كانت بأمس الحاجة الى الاعانات للاستمرار نظرا لغياب التمويل الذاتي من الاعلانات (كما اوضح الاستاذ عبد الزهرة في مقاله). وبما ان القسم الاعظم من صحفيي قبل التغيير كانوا موظفين في وزارة الاعلام المنحلة، وانهم فقدوا مورد عيشهم نتيجة هذا الاجراء، فقد كان تعيينهم على كادر الشبكة يمثل بديلا مناسبا. غير ان ذلك ادى الى عواقب غير حميدة. فقد بدأت الصحف والاذاعات المحلية تفقد خصوصيتها بالتدريج عبر تحولها الى منفذ لسياسة شبكة الاعلام العراقي، بل انها حولت حتى وارادتها المتواضعة الى الشبكة لكي تغطي جزءا من تكاليفها.
ان المطالع لواقع المؤسسات الاعلامية اليوم يستطيع ببساطة ان يستنتج ان تلفزيون العراقية، واذاعة جمهورية العراق، وجريدة الصباح، وقسما كبيرا من صحف المحافظات انما تمثل وجهة النظر الحكومية الرسمية. ويظهر ذلك جليا في تبني القضايا المختلفة في سياق بروباغاندي تعبوي، يبتعد عن النقد البناء والرقابة الدستورية على الاداء الحكومي، ليقترب من لغة التلميع والتبرير والخطاب الموجه الفاقد لاسس التعليم الاجتماعي لمصلحة التغييب الجمعي خلف تهديدات الحفاظ على الكيان والمنجزات.

القضية الثانية: اعلام الطوائف
ربما كان تحول شبكة الاعلام العراقي عن غايتها المرجوة قد دفع اقطاب المعارضة، سواء المعترف بها كأحزاب برلمانية او خارج البرلمان ام تلك التي تبنت العنف وسيلة لتحقيق مآربها غير المعلنة في اكثر الاحيان، دفعها الى تأسيس وسائلها الاعلامية بنفس الهيكيلة تقريبا. فالمتتبعون اليوم يعرفون تبعية كل جريدة او اذاعة او تلفزيون، ويستطيعون ان يحللوا موادها الاعلامية استنادا الى ذلك، رغم انها في الغالب لا تفصح عن هويتها وانتماءها الحزبي او الطائفي. ولعل السبب في اخفاء الهوية لا يكمن في عدم الثقة في الجهة التي تتحدث باسمها بقدر ما يتعلق بالرغبة في مصادرة الرأي والقضية وتصويرها على انها ممثلة لكل العراق. وليس في ذلك من ضير ان تم في النور، وبعد تعريف الانتماءات احتراما لشخصية المواطن، وتقديسا لمعنى الرأي والرأي الاخر.

وهكذا فبين اعلام حكومي موجه، يلمع صورة الاداء الحكومي ويدلس مواطن الفشل فيها، وبين اعلام محكوم بعقيدة الرفض الجازم لكل ما يتأتى من الحكومة، ضاعت المهنية والتبس على المواطن فهم الحقيقة، التي هي قبل ذلك مشوشة بما يكفي لاربكاه، وبالتالي فقد ثقته في معظم وسائل الاعلام المحلية وييم وجهه شطر الصحافة العربية والاجنبية يتخذها مصدرا لمعلوماته، وينصت لتحليلاتها المقتضبة حينا والمسهبة احيانا حول امور كان الاحرى ان تناقش على قناة فضائية او في صحيفة تصدر في العراق.
كل ذلك قاد جيلا من الصحفيين الشباب الى اللجوء الى الوسائل الاعلامية الاجنبية رغبة في تحقيق هدف الاستقلالية والمهنية الذي يصبو اليه اي صحفي جاد. ويجب الاعتراف ان ذلك يسجل تراجعا عن مكتسبات ازاحة النظام القمعي السابق، حينما كان امثال هذا الجيل يغادرون البلاد طمعا في فرصة افضل بشروط اعدل.