نشرت وسائل الاعلام العراقية تفاصيل عن بعض ما سينفق من اموال وموارد لغرض استضافة القمة العربية المقررة ببغداد أواخر الشهر الجاري. وتحدثت المصادر عن تخصيص مئة مليار دينار عراقي كميزانية للنفقات، ونشر مئة الف عنصر امني لتوفير الحماية للوفود المشاركة فيها.
وفيما يتشكك الكثيرون بقيمة هذه القمة العربية في الوقت الراهن، يؤكد آخرون انها ضرورية لإعادة العراق الى محيطه العربي واستعادة دوره الاقليمي الذي فقده منذ غزو قوات صدام للكويت وما تلاه من احداث عزلت العراق عن الدول العربية والعالم ككل. لكن السؤال عن الفائدة المرجوة منها لشعب العراق يبقى مطروحا دون اجابة واضحة.
مما لا شك فيه ان تخصيص الموازنات الخيالية لمثل هذه المناسبات سوف يؤثر على المشاريع التنموية الضرورية لخدمة المواطن العراقي، ومنها ما يخص البنى التحتية المتهالكة في قطاعات شتى نحن في غنى عن تعريفها. كما ان استدراج العناصر الامنية من محافظات العراق المختلفة يمكن ان يؤدي الى احداث فراغ او فجوة امنية هنا او هناك قد تستغلها العناصر التخريبية لافتعال احداث اجرامية تثير فزع الوفود المشاركة، ويكون ضحاياها –بالطبع– افراد من الشعب العراقي. ومن المعلوم ان اهداف تلك المجاميع الارهابية لا تقتصر على بغداد، بل انها نشطة في كل مكان في العراق كما اثبتت الوقائع على مدى السنوات التسع الماضية.
وفي نفس الوقت، تبقى الازمة السياسية تراوح مكانها بدون ان تظهر بوادر لحلول، ناهيك عن التوصل الى اتفاقات تقود في آخر الامر الى احلال الاستقرار السياسي والامني في البلاد. وتبقى مسألة تعيين الوزراء الامنيين غير مطروحة للنقاش على الرغم من الخروقات الامنية الفاضحة التي تحدث بين الحين والآخر. ويظل رئيس مجلس الوزراء المتحكم الاول بالشأن الامني، على مستوى قيادة القوات المسلحة، ووزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني، على الرغم من طبيعة وظيفته التي يفترض ان تكون مدنية بامتياز.
ان انعقاد القمة العربية في العراق لا يمكن ان يعد مكسبا لحكومته فقط، الا اذا ارادت هذه الحكومة ان تحسبه في لائحة "منجزاتها". ومما يبدو اليوم، فان حكومة السيد المالكي لا تعير انتباها كافيا لما يريده المواطن العراقي، وما يعتقده حول تلك القمة. فلم نشهد عقد مؤتمرات محلية او وطنية تعمل على الاستماع للمواطنين بما يخص القمة، او ان تسعى الحكومة الى توضيح وجهة نظرها حول الاسباب الداعية الى عقدها في بغداد والنتائج المتوخاة منها. وكأن افراد هذا الشعب ليس لهم قول في الاحداث السياسية التي تقع في بلادهم رغم انهم سوف يدفعون ثمنها مالا، ودما، وعرقا في السيطرات الامنية التي ستنتشر بالالاف في كافة المناطق بلا شك.
ان كان يحلو للبعض ان يسميها قمة المالكي، فيا لبؤس تلك القمة، ويا لشقاء من يستضيفها. فهل دفعنا ثمن الغزو الاميركي دماء زكية، ودمارا شديدا، ورعبا غير مسبوق، وكلنا أمل في التحرر من سلطة الشخص الواحد، واعناقنا تشرئب الى السماء فخرا باننا اول من سيقطف ثمار الديموقراطية حديثة العهد في المنطقة، اقول هل نقوم بعد كل هذا بالتهليل لفرد واحد ونعزو مكاسبنا لشخصه؟ وهل سوف يكون المالكي بعد تلك القمة، جمال عبد الناصر الثاني، فيحقق ما عجز غيره عن فعله، من ايقاف سفك الدماء في سوريا على يد السلطة الجائرة، الى تحقيق بعض من الطموحات التي يتشارك فيها معظم الناطقين بلغة الضاد، وعلى رأسها ايجاد نوع من الوحدة بين البلدان العربية تذكر بماضيها المجيد وتدفع بها الى المستقبل المشرق. ان مجرد التفكير بهذه الامور يدفعني للضحك. فكم من العراقيين يؤمن فعلا بضرورة الوحدة العربية، بعد ان تم تجيير هذا المصطلح على يد الانظمة المتتالية في معظم الاقطار العربية واستخدامه وسيلة لقهر شعوبها؟ نعم، ان مبدأ الجامعة العربية انما يقوم في الاساس على مبدأ تحقيق الوحدة العربية. فان كان ما سلف صحيحا، فان من سخرية القدر ان نسعى بكل ما أوتينا من مال ورجال لاستضافة هذه القمة، التي لا اشك اننا سوف ننسى كل ما دار فيها في اليوم التالي لانفضاضها.
من المؤكد ان تلك القمة سوف تنعقد بجدول اعمال معين، لكن هناك خارج مجمع القصور الرئاسية جدول اعمال ثان. قد تسنح الفرصة للمخربين في مدن بعيدة للقيام بعمليات ارهابية فقط للتشويش على القمة. وقد تهب عاصفة من التصريحات النارية بين الفرقاء السياسيين المتنازعين منذ دهور، ما يخلق حالة من التوتر لدى ابناء الشعب وهم يتوقعون الاسوأ. ومن المحتمل ان تلجأ الحكومة الى فرض حظر التجوال الكلي او الجزئي في مناطق من بغداد والمحافظات العراقية الاخرى مما يؤثر سلبا في حياة المواطن. اما ما تخصصه لميزانية تلك القمة فهو ضياع آخر للموارد الوطنية التي لم يعد يفكر فيها الكثيرون.
نحن لسنا ضد عقد القمة في بغداد، فهذا استحقاق وطني. لكننا لا نرى اننا نشارك في تلك القمة كشعب او امة، بل كحكومة. وهذا هو ما كنا نخشاه منذ اليوم الاول. فالحكومة بمفهومنا يجب ان تكون ممثلة لنا بما يكفي حتى لا يسعى احد لتسجيل منجزاتها على حسابنا. والقمة العربية التي ستعقد قريبا ليست الا مكسبا آخر لرئيس الوزراء، وخيبة أمل اخرى للشعب.