Sunday, December 18, 2011

شكرا ايها الجندي الاميركي

ذكرت وسائل اعلام غربية ان السياسيين العراقيين لم يستطيعوا الاتفاق على تقديم الشكر الى الجيش الاميركي تقديرا لجهوده في تحرير العراق من براثن الطغيان، واحلال مباديء الديمقراطية والحرية محل الدكتاتورية والاستعباد التي رزح تحت نيرها شعب العراق ما يزيد على اربعة عقود. ومضت هذه المصادر الى القول بان العراقيين يكونون بهذا "ناكرين للجميل."
لا والله، لسنا ناكرين للجميل، ولسنا انتهازيين نصطاد فرصنا في الماء العكر. نحن شعب يحب السلام، وإن كان بيننا من يقرع للحرب طبولا، او خرج من بين ثنايانا من يدعو الى الفرقة طمعا في الوصول الى السلطة. نحن شعب ذاق القهر والحرمان دهرا طويلا، ولا نريد الا ان ننطلق في مسارنا لاعمار بلدنا وبناء وطننا. ومنذ قدمتَ الينا، ايها الجندي الاميركي، بدأنا نبصر بصيص امل بعد ان كاد الامل ينقطع عن ناظرينا الى الابد.
لا ريب في انك قدمتَ الينا غير مدعو، ولكن ليس عليك ان تغادر غير مشكور. وان كانت قيادتك جلبتك الى هنا وحمـّلتك اخطاءها، فنحن نعلم انك فعلت ما في وسعك لتجنب ان ترتكب اخطاء اخرى، ولكي تصحح ما امكنك من الخطأ الاستراتيجي الاول: القدوم الينا بلا خطة محكمة، وبلا غطاء دولي من مجلس الامن.
لكن هل علينا ان نذكر لماذا جئت، وما الذي تمخض عن ذلك؟ ربما. لنعد بالزمن الى الوراء. الى يوم قرر طاغية العراق المقبور ان يغزو الى الكويت، وقبلها خاض غمار حرب مدمرة ضد ايران دامت ثماني سنوات. نعم، كنا نحن غزاة ذات يوم. وهكذا، يصدر مجلس الامن تفويضا باخراج قوات الدكتاتور باية وسيلة، ولكنه يأبى الا ان يقود البلاد الى حرب دامية خاسرة حتى من يوم بدئها. كان شعور الشعب العراقي بالمذلة نتيجة تلك الهزيمة اكبر من خوفه من بطش الطاغية، فكانت ثورة شعبية تعمّ العراق من شماله الى جنوبه. وكانت اعلانا بالرفض لم يألفه النظام الذي تعود على الاستماع الى قصائد المديح المطولة في صالات قصوره الفارهة. ولم يوفر الطاغية جهدا في اخماد هذه الثورة.. هل سمعت بالمقابر الجماعية؟ نعم، لازالت الارض تئن بالمئات منها تتضرع الى الله ان يمنّ برحمته على اولئك الذين اهيل عليهم التراب احياء، لا لشيء الا لأنهم رفضوا الخضوع لنير الطغيان. وهو لم يتورع عن استخدام كل الوسائل المتوفرة لديه في اسكات الثورات الشعبية، حتى الاسلحة الكيميائية.. اما سمعت بـ(حلبجة)؟ يا ويلاه على اطفال ونساء ورجال وشيوخ احرقهم لهب قادم من السماء دون ان يكون لهم ملاذ منها، ارسله اليهم من كان ينبغي ان يحميهم منه.
ولكن ذلك النظام ما كان ليكتفي بكل ما سلف من المآسي، فقد عمد الى المواجهة مع المجتمع الدولي من اجل اطالة امل الحصار الاقتصادي، ليمدّ من عمر نظامه الاستبدادي البغيض، حتى تحطمت البُنى التحتية والفوقية لبلادنا ووصلت الى حافة الانهيار، وأنهك الشعب في توفير لقمة العيش وقنينة الدواء.. بات الشعب العراقي –بفعل سياسيات نظام الطغيان– الافقر في العالم، على الرغم من كونه الاغنى في الثروات المادية والبشرية.
ويوم شهدت امهات ثكلى حبل المشنقة يلتف على عنق صدام، بعد ان أخرجتَه من جحره وجلبتَه امام العدالة، صلـّيْنَ الى الله ليحميك، ايها الجندي الاميركي، وينير طريقك الذي مابرح يزداد عتمة منذ أتيتَ الى بلادنا، حتى تضافرت جهودك مع جهود ابناء القوات المسلحة العراقية فانتصرت على قوى الظلام.
كان الطريق مظلما، لان اعداء الحرية حطموا مصابيحه. وكانت كل تضحية قدمتَها شمعة تكسر هذه الظلمة، فتسيرَ ونسيرُ من ورائك، ونجري فنسبقك، ثم نبطيء فننتظرك. لقد احترت فينا، ولكنك صبرت علينا. فشكرا لك لصبرك الجميل، ولتضحيتك الكريمة.
شكرا لك لانك وضعت روحك على كفك لتحارب التمرد الذي عادى الشعب وحكومته قبل ان يعاديك. شكرا لك لانك سهرت على تدريب عناصر القوى الامنية العراقية حتى صارت قوية بما يكفي للذود عن حياض الوطن. شكرا لك لانك انفقت الاموال الطائلة في محاولة اعادة بناء البنى التحية المنهارة في وطني. شكرا لك لاخذك بيد الشعب العراقي نحو الحرية. شكرا لك لانك كشفت الفاسدين بين صفوف قواتك، ولم تخجل من ان تعلن ذلك للعلن، وتعتذر عن افعال هؤلاء المشينة، بل انك اصررت على ان تأخذ العدالة مجراها، وحاكمتَهم، والقيتَ بهم في السجن، بعد ان كانوا حراسا للسجون.
شكرا لسرجنت كرستينا، التي وقفت في ساعة متأخرة من الليل تحرس مركزا للشرطة تعرض لاطلاق نار من مسلحين مجهولين. شكرا للملازم مارك الذي قاد فصيلا للقبض على عصابة من المطلوبين الخطرين. شكرا للميجر غريغ الذي عكف على مساعدة القضاة في محاكمة المجرمين. شكرا للجنرال أدمز لانه أمر فرقته بحراسة القرى والبلدات قرب قاعدته العسكرية، فسير الدوريات ليلا ونهارا. وشكرا للدبلوماسي تشاك الذي تواصل بجد واخلاص مع الحكومتين المحلية والوطنية وقدم لهما النصح والارشاد الذي كانا بامس الحاجة اليه.
شكرا لكم ايها الرجال والنساء الذين تركتم خلفكم ازواجا وامهات وابناء لا يكاد يغمض لهم جفن خوفا عليكم، ولكنكم ابيتم الانصياع الى الخوف، ومشيتم الدرب الى آخره، وسلمتم العراق الى شعبه قادرا وأبيا كما كان وسيكون الى الابد.
الشعب العراقي غير ناكر للجميل، ولكنه خائف، فاعذرنا. نحن لازلنا خائفين من ان ينقلب السحر علينا ونعود الى الدياجير التي انقذتَنا منها بمشيئة الخالق عز وجل. ولكننا تعلمنا ان نتغلب على مخاوفنا، ونعدك باننا سوف لن نجعلك تندم على ما قدمته لنا. سوف نستمر في سعينا الى بناء وطننا وحمايته وصون حريتنا حتى تبقى فخورا بنا. شكرا لك اليها الجندي الاميركي، وانت تغادر عائدا الى وطنك، وليباركك الله.