المدى-لجنة البحوث والدراسات
تشير الأجواء العامة في أنحاء العراق كافة الى أن يوم الخامس عشر من كانون الأول الجاري سيشهد واحداً من أهم الأحداث السياسية في تاريخه المعاصر، حيث من المتوقع أن يتوجه قرابة خمسة عشر مليون ناخب الى صناديق الاقتراع في عموم البلد للإدلاء بأصواتهم في ثالثة ممارسة ديمقراطية خلال عام واحد، وهذا بمقاسات سياقات الديمقراطية السائدة في المنطقة، يعد إنجازاً بحد ذاته، وبغض النظر عن النتائج فأنها تأسيس وترسيخ لتقاليد ومناهج قد غيبت قسراً سنين طوالاً.
وتواصلا مع الحدث، أجرت لجنة البحوث والدراسات في مكتب (المدى) بمحافظة بابل استطلاعاً للرأي على أساس علمي مدروس، لمعرفة توجهات الناخبين، وعمق الوعي الانتخابي الذي تجسد من خلال الممارسات الانتخابية في الفترة المنصرمة. واستخدمت نموذج استبيان مكوناً من ستة أسئلة، إضافة الى بعض البيانات الشخصية، بدون ذكر الاسم، لاستخدامها في تحليل الإجابات المختلفة وتبيّن تأثير عوامل مثل الجنس والسكن والعمر على طبيعة اختيارات أفراد العينة المختارة عشوائياً. حيث تم توزيع 460 استمارة استبيان في أنحاء محافظة بابل، بشطريها الحضري والريفي. وقد شابت عملية توزيع الاستمارات مجازفة غير هينة في الوصول إلى مناطق توصف بالساخنة. وشمل الاستبيان مدن الحلة والمحاويل وناحية الإمام والقاسم والمسيب والسدة والمدحتية والنيل والكفل والهاشمية والطليعة وأبو غرق، علاوة على الكثير من القرى المحيطة بهذه المدن. وقد تم إعداد قاعدة بيانات حاسوبية لإدخال البيانات وتحليلها، ولاستخراج النتائج بأكثر دقة ممكنة.
وبلغ عدد أفراد العينة 460، وكان عدد الذكور 330 والإناث 130، توزعوا بين 172 من سكنة مدينة الحلة و288 من سكنة الاقضية والنواحي والقرى التابعة لمحافظة بابل.
الأغلبية الساحقة ترغب بالمشاركة في الانتخابات
يبدأ الاستبيان بسؤال حول رغبة المستطلعة آراؤهم بالمشاركة في الانتخابات المقبلة. ويبدو أن خيار المشاركة في الانتخابات يطغى على معظم التوجهات، فقد بلغت نسبة الراغبين بالمشاركة 96.7%، بينما لم تتعد نسبة مقاطعي الانتخابات 3.3%. ومن دلالات النتائج التي أظهرها الاستبيان أن هنالك توجهاً عاماً قوياً لدعم العملية السياسية الجارية في البلد من خلال الإسهام الفاعل في عملية الاقتراع. وهو ما يعكس التطور النوعي في الممارسات الديمقراطية، وانحسار نزعة المقاطعة. الا ان المشاركة قد لا تصل الى هذه النسبة العالية بسبب معوقات كثيرة يفرضها الوضع الاستثنائي، والظروف التي تتحكم بالحالات الفردية يوم الانتخاب.
التنافس محتدم بين الائتلاف والقائمة الوطنية
أظهرت نتائج الاستبيان أن التنافس يكاد ينحصر بين قائمة الائتلاف العراقي الموحد برئاسة عبد العزيز الحكيم والقائمة الوطنية العراقية برئاسة د. أياد علاوي. وحصلت قائمة الائتلاف على النسبة الأكبر من الأصوات وتبلغ 46.1% من مجموع أفراد العينة، تلتها القائمة الوطنية بنسبة 24.6%، بينما تنافست باقي القوائم ضمن نسبة 15.5% فقط، برغم أنها في غالبيتها محلية، وكان من المتوقع أن تحصل على دائرة تأييد أوسع. ومن الجدير بالذكر أن القانون الانتخابي يحتم على القائمة الحصول على ما لا يقل عن نسبة محددة قبل إمكانية ضمها الى مجلس النواب، وتبلغ هذه النسبة بمحافظة بابل 9% لان عدد المقاعد المخصصة للمحافظة 11 مقعداً.
ومن الملاحظات اللافتة للنظر التي تجلت في الاستبيان أن نسبة الإناث الراغبة في التصويت للقائمة الوطنية تزيد على نسبة الذكور (28.5% مقابل 23%)، بينما جاءت النسب متساوية تقريباً بين الإناث والذكور الراغبين بالتصويت لقائمة الائتلاف (46.2% مقابل 46.1%). غير أن النتائج عكست تقدم سكنة الاقضية والنواحي والقرى الراغبين بالتصويت لقائمة الائتلاف بنسبة كبيرة على نظرائهم من سكنة مركز المحافظة (53.3% مقابل 37.5%) وينطبق الأمر على المصوتين للقائمة الوطنية ولكن بنسبة أقل (26.3% مقابل 23.8%). ويبدو أن سكنة المركز يتوجهون صوب القوائم الأخرى أكثر من سكنة خارج المركز (25% مقابل 10.9%)، وهذا ناجم عن مشاركة واسعة لقوائم مركز المحافظة.
يظهر تحليل الاستبيان استناداً للفئات العمرية أن أغلب المصوتين الذين تقع أعمارهم بين 30-39 سنة يميلون باتجاه قائمة الائتلاف بنسبة 53.3% في حين أن المصوتين للقائمة الوطنية بلغت ذروتهم في الفئة العمرية بين 50-59 سنة وبنسبة 28%، والملاحظ أن مصوتي القائمة الوطنية تزداد نسبتهم بتقدم العمر، وهو انعكاس لتباين تطلعات مختلف الفئات العمرية.
البرنامج السياسي والواجب الديني
وعند تحليل إجابات أفراد العينة على السؤال الوارد في استمارة الاستبيان: ما هو الأساس الذي تعتمده في التصويت؟، ظهر أن نسبة 51.1% تعتمد البرنامج السياسي في تحديد خيارها، ونسبة 30.8% تعتقد أن التصويت واجب ديني للقائمة التي ترغبها، فيما كانت نسبة 13.7% تروم التصويت دعماً لرئيس القائمة، ولم تحض الأسباب العشائرية الا بنسبة ضئيلة بلغت 1.1%، برغم أن عدد المشاركين من خارج مركز المحافظة يقارب ضعف عدد المشاركين من المركز، مما يدلل على أن التأثير العشائري في محافظة بابل لا يشهد رواجاً بين الناخبين خلافا للرأي السائد بهذا الشأن.
أن نسبة المصوتين لقائمة الائتلاف بوصفه واجباً دينياً 58% بينما كانت نسبة المصوتين للقائمة الوطنية اعتماداً على البرنامج السياسي 76.1%. وقد انعكس دعم رئيس القائمة الوطنية بنسبة 19.5% مقابل 1.9% فقط صوتوا لرئيس قائمة الائتلاف، وظهور هذه النتائج بتلك الصيغة يجسد استقطابات الرأي العام موزعا بين التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، وتشابها مع ما أفرزته نتائج الانتخابات السابقة، وفيها دلالات على أن هذا الاستقطاب سيبقى في الساحة السياسية العراقية للفترات القادمة.
ومن المفارقات الطريفة أن هناك خمسة أفراد من العينة، يشكلون نسبة 4.5% من الذين صوتوا للقائمة الوطنية اتخذوا قرارهم بالتصويت لها كونه واجباً دينياً، رغم غياب الخطاب الديني في الدعاية الانتخابية لهذه القائمة المعروفة بالتوجه العلماني. والأرجح أنها سقطات من قبل هؤلاء الأفراد لا تعبر بدقة عن وجهات نظرهم.
تفاؤل عام بمرحلة ما بعد الانتخابات
وتضمن نموذج الاستبيان مجموعة من الأسئلة حول ما يمكن أن تسهم فيه الانتخابات. وقد أظهرت النتائج أن معظم أفراد العينة متفائلون بان الانتخابات ستساهم في تحسين الوضع الأمني (85.2%)، وتحسين الخدمات (77.4%)، ودفع عملية إعادة الإعمار (74.8%)، وحل مشاكل البطالة والضمان الاجتماعي (72.8%).
معرفة محدودة بالمرشحين
آخر أسئلة الاستبيان يدور حول مدى معرفة الناخبين بمرشحي القوائم المتنافسة، واتيحت لأفراد العينة الاختيار من بين ثلاثة خيارات تدلل على حجم تلك المعرفة. وقد بيّن 24.8% من أفراد العينة الراغبين بالتصويت، والذين اتخذوا قرارهم بالتصويت لقائمة معينة، أنهم لا يعرفون سوى رئيس الكيان الذي سيصوتون له. وأفادت أغلبية هذه الفئة (52.2%) بأنهم يعرفون بعضا من مرشحي قائمتهم المفضلة، بينما ادعت 9.1% أنها تعرف جميع المرشحين. ولا نجد هذه النتائج غريبة بالنظر للوضع الأمني غير المستقر، والذي يحول دون إعلان أسماء المرشحين بشكل واسع، ولقصر الفترة الزمنية المتاحة للدعاية الانتخابية. والظاهر أن اغلب الناخبين يثقون باختيارات رؤساء القوائم لبقية المرشحين.
وتجدر الإشارة الى أن نتائج هذا الاستبيان لا يمكن أن تطبق على عموم العراق، بسبب اختلاف التوجهات العامة بين منطقة واخرى، ولكن هذه النتائج يمكن ان تعبر - عموما- عن الرأي العام في مناطق وسط وشرق العراق، وربما جنوبه أيضا. من جهة ثانية، فان التصويت الفعلي في الانتخابات القادمة قد يختلف نسبيا عن نتائج هذا الاستبيان، سيما وجود نسبة كبيرة من المترددين، الذين يمكن أن يصوتوا لصالح قوائم غير رئيسة، وبالتالي تتغير موازين القوى. ومن المعروف ان الناخب في مرحلة يكون عرضة للتأثيرات المختلفة، ويكون للاحداث اليومية في الاسبوع او الايام القليلة التي تسبق يوم الانتخابات تأثير مباشر على قراره.