حادثان وقعا في سوريا استحوذا على اهتمام
وسائل الإعلام العالمية والعربية في الأيام الماضية. الأول اختطاف مجموعة
من الزوار اللبنانيين في سوريا، والثاني ما اصطلح على تسميته بمجزرة
الحولة. وكلا الحادثين وقعا بينما تقوم بعثة الأمم المتحدة بمزاولة
أعمالها الرقابية ومحاولة إيجاد مخرج للازمة السورية الدموية التي تجاوزت
العام ببضعة أشهر.
وفي الوقت الذي اتهمت السلطة السورية قوات "الجيش السوري الحر"
والقاعدة بالقيام بهذه الأعمال الإرهابية، فان قوات المعارضة تنكر بشدة
أنها يمكن أن تقوم بمثل هذه الأعمال الوحشية، وبدورها توجه الاتهام إلى
القوات الحكومية بارتكاب هذه الجرائم.
إن محاولة معرفة الحقيقة تكاد
تكون مستحيلة عمليا بسبب طبيعة العمليات العسكرية التي تجري في المنطقة،
ولعجز المراقبين الدوليين عن القيام بتحقيق جنائي متخصص خارج التأثيرات
السياسية من الأطراف المحلية والإقليمية والأممية، وهم الطرف الوحيد الذي
قد تكون له مصداقية مقبولة بما يكفي لإجراء بمثل هذا التحقيق.
بيد أننا يمكن أن نحلل تلك الاحداث من منظور سياسي، لا تقني.
فالقيام
بأي عملية ضد أية جهة يستوجب توفر ثلاثة عناصر: الجهة المنفذة، والجهة
المستهدفة، والمكاسب المقصودة. وحتى العمليات العشوائية التي تقوم بها
منظمة القاعدة، كما شهدناه في العراق وباقي دول المنطقة والعالم، لا تخرج
عن تلك الثوابت. فهي تسعى إلى الاعتراف بأغلب العمليات التي تقوم بها من
خلال اتصال مع وكالة أنباء أو محطة تلفاز أو عن طريق الشبكة العالمية
الانترنت. كما أن معظم العمليات التي تقوم بها تكون موجهة ضد قوات أمنية أو
طائفة أو فئة معينة، متجنبة قدر الإمكان أن تصيب المناطق التي تدين لها
بالولاء تحسبا لنقمتها عليها. أما أهداف القاعدة فإنها متنوعة، من محاربة
الكفار إلى مقارعة الاحتلال ومقاومة الاستبداد وصولا إلى تحرير المناطق
المقدسة. لكن لكل عملية هدف محدد ضمن مرحلته وفترته التاريخية.
وبإلقاء
نظرة على الحدثين اللذين أوردناهما في سوريا، والأحداث المصنفة إرهابيا
التي وقعت قبلها، فإننا نجد أن من غير الراجح أن يكون من تنفيذ القاعدة أو
عناصر مرتبطة بها، رغم وجود مؤشرات على ممارسات أصبحت تقليديا من اختصاصات
القاعدة، مثل الذبح والاختطاف والعمليات الانتحارية. فوجود القاعدة في
سوريا كان برعاية وسيطرة من قبل النظام السوري، وهو نظام بوليسي يمتلك سلطة
كاملة على كل ما يجري داخل البلاد. ونحن نعلم من الأدلة الكثيرة التي
حصلنا عليها في العراق أن معظم منفذي العمليات الانتحارية هنا قد مرّوا من
سوريا ومكثوا فيها وسهّل لهم زبانية النظام دخول العراق مع الأسلحة
والأعتدة المطلوبة لتنفيذ تلك العلميات الإرهابية. ومن غير المعقول أن ترعى
مخابرات النظام السوري تنظيما خطرا مثل القاعدة على أراضيها ثم تفقد
السيطرة عليه بين ليلة وضحاها.
أما الجهة المستهدفة، فالأمر جلي بما
يخص مجزرة الحولة، إحدى مناطق حمص، وهو شعب هذه المدينة الثائرة ضد النظام.
أي أن من الطبيعي أن تذهب أصابع الاتهام إلى قوات النظام السوري لا إلى
معارضتها. وإن كانت القاعدة هي المتهمة في هذه الاحداث، فهذا يثبت أنها
مرتبطة بالسلطة لا بالمعارضة، إذ من غير المعقول أن تقوم قوات المعارضة
بإرهاب المناطق المؤيدة لها فقط لإحراج النظام. ومن المعلوم أن مثل هذه
الحوادث الرهيبة قد تجبر الناس على التزام منازلهم والتخلي عن دعم المعارضة
خوفا من الانتقام الوحشي الذي قد يتعرضون له نتيجة لهذا الدعم. وهذا
يقودنا إلى الركن الثالث للعمليات الإرهابية وهو المكسب المتوقع. وفي حالة
المجزرة ليس هناك مكسب على الإطلاق للمعارضة، بل كما أسلفنا قد تؤدي إلى
نكسة تهدد استمرار الانتفاضة السورية.
والأمر أقل وضوحا في ما يخص
عملية اختطاف الزوار اللبنانيين، لكن السياقات السابقة تجري على نفس
المنوال. فالمعارضة لا يمكن أن تسعى لاستهداف الرعايا اللبنانيين، حتى وإن
كانوا من عناصر حزب الله الداعم للنظام السوري، خشية توسيع الصراع وإدخال
المزيد من الأطراف فيه، في أقل تقدير. كما أن من الصعب تصور أن يتم اختطاف
أجانب في سوريا بهذه السهولة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن عملية الاختطاف
حدثت في مناطق لا تعد ساخنة وتتمتع بتواجد أمني نظامي مكثف.
ومن الناحية
الأخرى فإن النظام السوري، الذي بات تحت ضغط دولي وإقليمي شديد، له مصلحة
في كل هذه الاحداث. فالرئيس بشار الأسد الذي يتزعم هذا النظام، يريد أن
يبين للعالم أن بلاده قد أصبحت ضحية للجماعات المسلحة المتطرفة، التي تعمل
مع وبإشراف من القاعدة. وهو يريد أن يقول للعالم إنه يحارب الإرهاب، وإن
السعي إلى الإطاحة به يعني أن سوريا ستكون مثل أفغانسان واليمن والعراق
وباكستان، فسيستفحل الإرهاب بحصوله على قلعة جديدة بعد أن تمكن من تحصين
قواعده في المناطق المذكورة.
بالإضافة إلى هذا فإن النظام السوري عوّدنا
على مثل هذه الاحداث المفتعلة بين الفينة والأخرى، من السيارات المفخخة
والعمليات الانتحارية التي عادة ما تتزامن مع وصول وفود المراقبين العرب
والدوليين. ولم تعلن المعارضة السورية عن مسؤوليتها عن أي من هذه العمليات،
وهو ما يدعو إلى التساؤل: لو كانت المعارضة لماذا لا تقرّ بها؟ وما الغاية
من ورائها؟ وفي هذه العمليات أننا نجد بعض العناصر في العمليات الإرهابية
التقليدية، لكننا لا نجدها مجتمعة. وإذا لم نستطع أن نشخص كل العناصر في
عملية مصنفة على أنها إرهابية، فهي على الأرجح ليست كذلك، وإنما هي مؤامرة
من سلطة غاشمة باتت لا تتورع عن استخدام كل ما أتيح لها من اجل البقاء في
الحكم أطول فترة ممكنة.