اخيرا خرج مجلس التعاون الخليجي عن صمته ازاء المذابح التي تجري يوميا في سوريا على يد النظام المتجبر الرافض لاصوات الاصلاح والتغيير. وجاء البيان الخليجي مدينا لعنف السلطة المفرط ضد الشعب السوري بعد مضي قرابة خمسة اشهر من بدء الاحتجاجات السلمية للشعب السوري الذي الهمه ربيع الثورات العربي فهب مطالبا بالحق الاول: الحرية.
وبالمثل، فان البيان الخليجي انتظر بيانا امميا صادرا عن مجلس الامن يدين لجوء السطلة السورية الى العنف لاسكات الاصوات المطالبة بالحرية والاصلاح، لكي لا يُعد محرضا للدول الغربية للتدخل في الشأن السوري كما حدث في حالة ليبيا حينما بادرت بعض الدول الخليجية الى تبني موقف المعارضة الليبية مما سهل صدور قرار مجلس الامن الذي سمح لدول الناتو في القيام بضربات جوية "لحماية المدنيين" من بطش قوات القذافي.
لكن بطء التحرك الخليجي اتجاه الاحداث في سوريا ليس وحده ما يثير العجب، بل عدم وجود أي تحرك يذكر من قبل دول اخرى خرجت للتو من نير الدكتاتورية، مثل مصر وتونس، ودولة كان ينبغي ان تكون مثالا للديمقراطية الناشئة في الشرق الاوسط، الا وهي العراق. واكثر غرابة من ذلك ان تتخذ دولة تجذرت فيها الاعراف الديمقراطية منذ زمن طويل موقفا يناهض كل المباديء الاساسية للحرية والديمقراطية. فمن العجب ان تنآى لبنان العضو في مجلس الامن بدورته الحالية عن البيان الذي يدين النظام السوري، باعتبار ان هذا البيان يشكل تدخل في الشؤون الداخلية ولن يؤدي الى حل أي مشكلة في سوريا. الا يعد كل بيان يصدره مجلس الامن بخصوص احداث تقع في أي دولة عضو في الامم المتحدة تدخلا في شؤون تلك الدولة؟ اليس مبدأ "مجلس الامن الدولي" هو التدخل من اجل احلال الامن في أي مكان في العالم والتحرك الفاعل لمنع الصراعات التي من شأنها ان توقع خسائر في ارواح المدنيين وتهدد السلم والامن العالميين؟ لكن حكومة لبنان الحالية تأبى الا ان تبرهن عن ما يتهمه بها معارضوها: انها تابعة للنظام السوري واذنابه في المنطقة بكل بساطة.
ويقال ان دول الخليج انما اختارت الصمت عن احداث سوريا مقابل الصمت عن الاحداث في البحرين. واذا كان ذلك صحيحا، فلابد ان السياسيون العرب مازالوا يعيشون في القرن الماضي. فلم يعد بالامكان ان يتم تقايض الحريات في البلاد العربية، او في الشرق الاوسط عامة، بين السطات على طريقة "شيلني واشيلك" بعد ان قررت الشعوب ان تنتظم بطريقة ما كانت لتخطر على بال قبل سنوات قليلة مضت. فهاهي الشعوب تلجأ الى وسائل الاتصال العصرية لكي تطرح رؤيتها على الملأ وتناقشها وتتوصل بطريقة جميعة الى نقل احتجاجاتها الى الشوارع، وهي اللغة التي تفهمها الانظمة الاستبدادية التي لا تريد مشاركة او اعتراضا اوصلاحا بعد ظنت انها "ضرورية للمرحلة الراهنة" وانها "تخوض الحرب المصرية" وغير ذلك من الشعارات التي تسترت بها لتمجيد رموزها وبقاءهم على سدة الحكم الى اجل غير مسمى.
لماذا لا تخرج مظاهرة في مصر او تونس او العراق تندد بعنف السطات في سوريا ضد شعبها الاعزل؟ هل لان هذه الشعوب مستغرقة كليا في مشاكلها الداخلية بما يمنعها من الالتفات الى الشعوب الشقيقة في محيطها الاقليمي ومواساتها في محنتها؟ لطالما اشتكى العراقيون من التجاهل العربي لمشاكله بعد الغزو الاميركي عام 2003، وتباطؤ الدول العربية في الاعتراف بالنظام الجديد فيه. اذا، لماذا لا تبادر السلطات العراقية الى اتخذا موقف حازم اتجاه السطات السورية، موقفا ينبع من التجربة العراقية الطويلة تحت الاستبداد والقمع والقتل والتشريد وكافة وسائل الاضطهاد التي شهدها العراقيون على مدى عقود طويلة من الزمن؟
لقد كانت الاحداث في كل من مصر وتونس من صنع شعوبها بلا شك، لكن النظام في كل منهما كان هو المستفيد منها. فان كان هناك من تغيير، فهو انما حدث في رأس السلطة فيهما، وربما امتد الى بعض الرموز فيها. اما طبيعة النظام فلم تتغير جذريا. وهكذا فان موقف الانظمة فيهما قد لا يكون بالضرورة مناهضا لاستخدام العنف ضد المتظاهرين في المدن والقرى السورية، او حتى مؤيدا لمطالب هذه الفعاليات الشعبية. وليس هناك من جواب سهل على موقف هذه الدول بخصوص الاحداث في سوريا.
لكن قد يكون هناك جواب سهل على موقف العراق من الاحداث في سوريا، بسهولة تحليل موقف لبنان من سوريا، وهو التأثير الايراني على كل من هذه الدول الثلاث. فايران لا تريد ان ترى حليفا قويا في المنطقة العربية يسقط ويتحول الى نظام تعددي حر. وايران مازالت لم تفق من كابوس الديمقراطية في العراق، الذي عملت بلا كلل وملل من اجل التقليل من شأنه واعاقته بكل صورة ممكنة. كما ان النظام الايراني عانى هو الاخر من انتفاضة شعبه قبل عامين والتي خرجت داعية للاصلاح. وهي لاتريد بكل تأكيد ان ترى نظاما منفتحا في سوريا يمثل الهاما آخر لشعبها للخروج مرة ثانية الى الشوارع والمطالبة بالحرية والتعددية.
بيد ان هناك امورا اخرى، ليست فقط على المستوى الحكومي بل على المستوى الشعبي ايضا. فقد يكون هناك قلق في العراق من تحول سوريا الى دولة سلفية تكون حليفا للسنة في العراق مقابل تحالف الشيعة مع ايران، وبالتالي فان الصراع التالي قد يكون مضنيا وصعبا وغير مضمون، خصوصا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان باقي الدول في غرب العراق كلها ذات اغلبية سنية. قد لا يصرح احد بذلك خوفا من ان يوصم بالطائفية، لكن غض النظر قد لا يكون امرا حكيما حينما يراد منك ان تفتح ناظريك على كل ما يجري حولك.
لقد حدثت الانتفاضات العربية في زمن وجيز، يقل كثيرا عن قدرة الشعوب وحكامها على فهمها والتعامل معها. ولهذا فان ردات الفعل ربما تتأخر، وربما لا تأتي ابدا. ولا اتصور ان يخرج وزير الخارجية العراقي، مثلا، ببيان يدين قمع السطات السورية لشعبها. فاذا نجحت السلطات السورية في اسكات شعبها آخر الامر، فان على العراق التعامل مع حكومة جارة عدوة، اما اذا نجحت الانتفاضة السورية فانها ستكون بحاجة ماسة الى الدعم من دول الجوار الاقليمي ولن تعمل على تقييم المواقف السابقة، وبالتالي فان هذا الصمت سوف لن يكون له عواقب، ليس سوى مقتل بضعة مئات او الاف او اكثر من ذلك او اقل من ابناء الشعب السوري. واذا كان قتل الشعوب ليس مبررا كافيا للتدخل فهل يعقل ان نطالب بالتدخل لحماية الحرية؟ ليس ان كنا لا نؤمن بها حقا، والحقيقة البسيطة، ان حكومة العراق ليست اكبر دعاة الحريات في العالم العربي والشرق الاوسط، وليست مثالا للديمقراطية في المنطقة. ومن سخرية الاقدار ان حكومة العراق ربما تود ان ينتصر الطغيان في سوريا وان كانت عانت من مثيله في العراق.