في بداية ثمانينيات القرن الماضي قررت الحكومة العراقية العمل بما يسمى بالتوقيت الصيفي بتقديم التوقيت ساعة واحدة اعتبارا من الاول من نيسان من كل عام واعادتها الى وضعها السابق في الاول من تشرين الاول من نفس عام. أي على ان يتم اضافة ساعة الى نهار كل يوم من اشهر الصيف الطويلة في العراق مما يسمح باستفادة اكبر من ضوء الشمس في الصباح والاقتصاد في صرفيات الطاقة، اسوة بالكثير من البلدان في المنطقة والعالم. وقد لقي هذا القرار عند بداية تطبيقه الكثير من المعارضة، باعتبار انه يغير ايضا من اوقات الصلاة ويسبب اضطرابا في مواعيد النوم عند اول تطبيقه، وكونه جاء خلافا لما اعتاد الناس عليه طيلة حياتهم السابقة. لكن السلطة الحاكمة لم تكن تعبأ بايضاح منافع تغيير التوقيت للعامة، واعتبرت معارضة تغيير الوقت بمثابة معارضة لسياسيات النظام ككل. وهكذا تقبل الشعب الامر على مضض ثم اعتاد عليه وبدأ يدرك منافعه، دون ان ينسى كونه مفروضاً عليه بالدرجة الاساس.
وبعد زوال النظام السابق، استمرت الحكومات التالية في السير على نفس النهج، على ان يتم تقديم الساعة وتأخيرها في موعد لا يتعارض مع ايام العمل، أي يتم في اول جمعة من الشهر المعني تقديما او تأخيرا. ولم يحتج احد ولم يعارض احد. فقد مضى ربع قرن على تطبيق هذا الاجراء واصبح الناس معتادين بشكل كامل عليه.
لكن الحكومة العراقية الحالية قررت بشكل مفاجيء ايقاف العمل به في عام 2008 برغم انها اقرته في السنة السابقة لحكمها. ولم يرد ايضاح بشأن ذلك برغم ما اثاره القرار من جدل بين مؤيد ومعارض. وربما احتاج الناس الى ان يخوضوا هذا النقاش لانه لم يتح لهم ان يخوضوا فيه قبلا.
وقد بدأت بعض البلدان في هذا الشهر بالعمل بالتوقيت الشتوي، أي باعادة التوقيت ساعة الى الوراء، او الاصح اعادته الى وضعه السابق قبل العمل بالتوقيت الصيفي. وبهذه المناسبة، اردنا ان نلقي بعض الضوء على تاريخ التوقيت الصيفي، ومنافعه، وجدوى العمل به، والجدل حوله في ارجاء العالم. املا في ان يتم اعادة النظر في تطبيقه في عام القادم، على اساس من الفهم الصحيح وليس الفرض، سواء بالتطبيق او المنع.
نبذة تاريخية
انتبه الاقدمون الى قضية اختلاف طول النهار بين الصيف والشتاء وضرورة الاستفادة من ضوء النهار، فعمدوا الى اجراءات معينة لضمان ذلك. فالرومان، الذين قسموا النهار الى اثنتي عشرة ساعة، اعتمدوا الساعة المائية في توقيتهم، لكن تدريجاتها كانت مختلفة بين شهر واخر. وهكذا فان الساعة في الشتاء كانت تعادل اربعاً واربعين دقيقة مقابل خمس وسبعين دقيقة طول الساعة في الصيف. وما زالت بعض المناطق في العالم تستخدم نظام الساعات غير المتساوية الطول، كما هو الحال في مقاطعة مونت اثلوس في اليونان. لكن اختراع الساعات الميكانيكية، التي تعطي الوقت بشكل متساو ومنتظم اوقف العمل بنظام الساعات غير المتساوية.
وفي عام 1784 نشر بنجامين فرانكلين، الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في فرنسا، مقالا بدون توقيع يحث الفرنسيين على الاقتصاد في استعمال الشموع عن طريق الاستيقاظ مبكرا. ويؤثر عنه قوله: «الذهاب باكرا الى الفراش، والاستقياظ مبكرا، يجعلان من الرجل صحيحا وغنيا وحكيما». واقترح فرانكلينفي مقاله ان يتم قرع اجراس الكنائس وحرق القوارب في ساعات الصباح الاولى لايقاظ الفرنسيين. وبرغم انه لم يقترح فكرة التوقيت الصيفي (او ما يصطلح عليه احيانا بتوقيت الاقتصاد في ضوء النهارDaylight Saving Time ) الا انه اصبح ينسب اليه، حتى يقال توقيت فرانكلين (كما قيل توقيت كامل الدباغ عند اول تطبيق للتوقيت في العراق لا لشيء الا لانه تحدث عنه في برنامجه الشهير العلم للجميع).
ثم انتبه احد البنائين المعروفين في انكلترا، ويدعى وليم ويليت، في عام 1905 ان الناس يبقون نائمين في افضل ساعات النهار طوال الصيف، وذلك اثناء جولاته الصباحية قبل الافطار. كما ان ويليت كان لاعب غولف متحمساً ولم يكن يرغب في ان ينتهي وقت اللعب بسرعة عند الغسق ايام الشتاء. فقام باقتراح فكرة تقديم الوقت ساعة كاملة عند بدء موسم الصيف، في مقال نشره في عام 1907. وقد بقي يدعو لفكرته حتى وفاته بعد ثمانية أعوام من دون ان يلقى نجاحا.
وكانت المانيا ودول المحور المتحالفة معها في الحرب العالمية الاولى والدول الواقعة تحت حكمها اول من يطبق فكرة ويليت وذلك في 30 نيسان من عام 1916، تبعتها بعد ذلك بقليل كل من بريطانيا وحلفائها والكثير من الدول المحايدة. وفي عام التالي اقرت الفكرة في روسيا وبعض البلدان الاخرى، فيما تأخرت الولايات المتحدة حتى عام 1918 للعمل بالتوقيت الجديد. ومنذ ذلك الحين شهد العالم الكثير من التعديلات والتطويرات لهذا النظام الجديد في التوقيت.
التوقيت الصيفي حول العالم
تعمل جميع دول الاتحاد الاوروبي بهذا النظام في الفترة الواقعة بين آخر أحد من آذار واخر أحد من ايلول. وفي روسيا تم العمل به مرة واحدة عام 1917 ثم توقف الى ان تم اعادة العمل به عام 1981، واستمر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي آخر تعديل لنظام التوقيت عام 2007 اصبحت فترة التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة تمتد من ثاني أحد من آذار الى اول أحد من تشرين الثاني، ووافقتها كندا في هذا الاجراء، غير ان المكسيك التي بدأت العمل به في عام 1996 لم تمدد فترة التوقيت الصيفي لتتوافق مع الولايات المتحدة.
ومن الدول العربية التي تعمل بالتوقيت الصيفي الاردن ولبنان في مواعيد ثابتة بين اول آذار وآخر تشرين الاول. اما مصر فانها تقوم بتقديم الوقت ساعة كاملة منتصف ليل آخر خميس من شهر نيسان وتعيده ساعة كاملة في منتصف ليل آخر خميس من شهر ايلول، وان قامت ببعض التعديلات لمناسبة تزامن تغيير الوقت مع حلول شهر رمضان المبارك. وبدأت تونس، ضمن الجهود الرامية الى الاقتصاد بالطاقة، بالعمل بالتوقيت الصيفي في 1 آيار 2005، متتبعة خطى الاتحاد الاوروبي. فيما قررت المغرب استئناف العمل بالتوقيت الصيفي اعتبارا من 1 حزيران 2008 بعد توقف دام عشرين عاما. اما سوريا فقد طبقت هذا النظام منذ عام 2006.
وفي ايران كان هذا النظام معمولا به قبل حدوث الثورة عام 1979، حيث تم الغاؤه. لكن الحكومة الايرانية اعادت العمل به عام 1989، وظل نافذا حتى ابطله الرئيس الايراني احمدي نجاد عام 2006، غير ان مجلس الشورى مرر قانونا يقضي باعادة العمل به اعتبارا من عام 2008، برغم معارضة الرئيس.
الا ان معظم الدول الاسيوية الكبرى تعد خارج دائرة التوقيت الصيفي. فالصين طبقته اعتبارا من عام 1986 لكنها توقفت عن ذلك في عام 1992، كما انها اعتبرت البلاد بأسرها منطقة زمنية واحدة (8 ساعات قبل التوقيت العالمي، او توقيت غرنتش). كما عملت اليابان به بين عامي 1948 و1951 تحت الاحتلال الاميركي، لكنها اوقفت العمل به حال الحصول على استقلالها عام 1952، وان تزايدت الدعوات لاعادة العمل بالتوقيت الصيفي منذ عام 1990. وطبق النظام في كوريا الجنوبية على فترات متقطعة منذ عام 1948 الا انه توقف في عام 1988. اما الهند واندونيسيا وماليزيا وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ، اضافة الى دول الخليج العربي، فانها لم تعمل به مطلقا.
وتم العمل بالتوقيت الصيفي في استراليا اول مرة اثناء الحرب العالمية الاولى، غير ان قرار الاستمرار به ترك الى الولايات. وفي العاصمة يطبق التوقيت بين اول أحد من تشرين الثاني واول أحد من نيسان في عام التالي. ورفضت مقاطعة غرب استراليا العمل به في ثلاثة استفتاءات شعبية في الاعوام 1975 و1984 و1992، الا ان برلمانها قرر العمل به بشكل تجريبي لمدة ثلاث سنوات تبدأ في 2006 ثم يتبعها استفتاء شعبي يقرر بشكل نهائي الاستمرار به او التوقف عنه. كذلك رفضه الشعب في استفتاء 1992 في مقاطعتي شمال استراليا وكوينزلاند.
وفي النصف الجنوبي من الكرة الارضية، تنقلب فترة اشهر التوقيت الصيفي بانقلاب الفصول. فقد طبقت بعض الولايات في البرازيل التوقيت الصيفي منذ عام 1931، وقررت ريو دي جانيرو وولايات اخرى في هذا عام (2008) ان تطبقه اعتبارا من 19 تشرين الثاني الى 15 شباط. وطبقته كولمبيا مرة واحدة بين عامي 1992 و1993 ثم توقفت عن ذلك.فيما قررت الارجنتين تطبيق التوقيت اول مرة عام 2007، بين 30 كانون الاول و16 آذار. كما بدأت دول اميركا اللاتينية حديثا بالعمل به ومن بينها تشيلي والاكوادور والاورغواي والبرغواي. الا ان بيرو وفنزويلا وغويانا لم تعمل به مطلقا. تجدر الاشارة ان التوقيت الصيفي ليس بذي تاثير يذكر في خطوط العرض الدنيا.
الجدل حول التوقيت الصيفي
كان اقتراح ويليت اصلا ينص على ان تطبيق التوقيت الصيفي يجعل الناس يقضون وقتا اكثر خارج منازلهم، وبالتالي يتم الاقتصاد في صرفيات الضوء الصناعي لانهم سوف يضطرون الى النوم ابكر عندما يعودون الى منازلهم في المساء، وهو الوقت الذي تستعمل فيه الانارة الصناعية (الشموع او المصابيح الخ). ومن الواضح ان هذا الاجراء لا يغير من طول النهار، بل يعمل على تحويل ساعة من الليل الى النهار، لكي لا تضيع هباءا.
الا انه برغم ان الاقتصاد في الطاقة كان هو السبب الرئيس في العمل بالتوقيت الصيفي فان الدراسات الحديثة لا تتفق دائما مع هذا الرأي، لا سيما مع اخذ عوامل اخرى بنظر الاعتبار مثل التغييرات المناخية واستعمال اجهزة التكييف وغيرها.
ففي عام 1975 توصلت دراسة اعدتها وزارة المواصلات الاميركية الى ان التوقيت الصيفي يوفر ما مقداره 1% من صرفيات الطاقة بين شهري آذار ونيسان. لكن في عام التالي توصلت دراسة اخرى اعدها المكتب الوطني (الاميركي) للمقاييس الى انه ليس هناك تغير ملحوظ في استهلاك الطاقة نتيجة التوقيت الصيفي.
وبالمثل توصلت دراسات في استراليا اجريت عام 2000 الى ان تطبيق التوقيت الصيفي قلل من استخدام الانارة ليلا الا انه زاد من استخدام اجهزة التكييف صباحا. وفي عام 2005 اقرت دراسة في اليابان الى انه تم التقليل من استهلاك الطاقة نتيجة استخدام الانارة بمقدار 0,02% مقابل زيادة مقدراها 0,13% في تبريد الهواء. واخيرا بينت دراسة في ولاية انديانا الاميركية ان استهلاك الطاقة زاد بمقدار 1-4% بعد تطبيق التوقيت الصيفي، استهلكت في الغالب لتكييف الهواء.
بيد ان التأثيرات الاقتصادية للتوقيت الصيفي تتجاوز الاقتصاد في استهلاك الطاقة. ففي الولايات المتحدة تحث المحلات الكبرى على قضاء وقت خارج المنزل، طالما كان ذلك متاحا. وقد قدرت مجلة فورتشن الاميركية عام 1984 ان محلات سفن الفن الاميركية الشهيرة قد حصلت على ارباح اضافية تقدر بـ30 مليون دولار نتيجة زيادة فترة تطبيق التوقيت الصفي لسبعة اسابيع، بينما زادت ارباح منشآت الغولف بمقدار 200-300 مليون دولار لنفس الفترة. كما قدرت دراسة اجريت عام 1999 ان ارباح قطاع الترويح ازدادت 3% نتيجة التوقيت الصيفي.
على الجانب الاخر، فان التوقيت الصيفي يؤثر على المزارعين الذين لا يتعلق عملهم بساعة معينة. على سبيل المثال يتوجب حصد المحاصيل الحقلية عندما يتبخر الندى، أي ان الوصول باكرا لا يجدي نفعا. ومن القطاعات الاخرى التي يؤثر فيها التوقيت بشكل مباشر قطاع التلفزيون الذي يعتمد في ترويج الاعلان في فترة (الوقت الذهبي) التي يؤدي اختلافها بين الصيف والشتاء الى خسائر كبيرة.
ولا يعد قطاع الاستثمار اوفر حظا، فقد شهد يوم تغيير التوقيت في عام 2000 خسائر اجمالية تعادل 31 مليار دولار في اسواق الاسهم الاميركية. ويتوسع الامر ليشمل كلف تغيير برامج الحواسيب وجداول الاعمال وما اليه، حيث بلغت هذه الكلف الاضافية مبلغا يقدر بين 500 مليون الى مليار دولار في عام 2007.
على كل حال ربما يكون التأثر الايجابي الابرز للتوقيت الصيفي كامنا في نواح ٍ اخرى غير الاقتصاد. فقد قدرت دراسة وزارة النقل الاميركية عام 1975 ان معدل الوفيات نتيجة حوادث الطرق قد انخفض بمقدار 0,7% في اثناء التوقيت الصيفي، وقدرت ان النسبة الحقيقة ربما تصل الى 2%، برغم ان مراجعة محطة ان بي سي التلفزيونية لهذه الدراسة اشارت الى انه ليس هناك تغيير ملحوظ في معدل وفيات حوادث الطرق. يؤكد ذلك دراسة معهد سلامة الطرق السريعة عام 1995 التي بينت ان نسبة الانخفاض تصل الى 1,2%، من بينها 5% من حوادث السير التي يقع ضحيتها المشاة. وفي بريطانيا، اقرت دراسة ان اعتماد التوقيت المزدوج (تقديم الوقت ساعة واحدة في الشتاء وساعتين في الصيف) قد يؤدي الى تخفيض حوادث الطرق بمقدار 3-4%.
من ناحية اخرى توصلت دراسة اعدتها ادارة فرض القانون الى ان معدل الجرائم تناقص بمقدار 10-13% خلال التوقيت الصيفي في العاصمة الاميركية واشنطن. لكن منتقدي الدراسة يقولون انها شملت مدينتين فقط كما انها اقتصرت على انواع معينة من الجرائم.
وتقوم بعض البلدان باستغلال تغيير التوقيت لتذكير مواطنيها بتفقد متحسسات الحرائق قبل موسم الشتاء حيث تزداد الحرائق المنزلية نتيجة استخدام المواقد واجهزة التكييف، وكذلك تفقد مصابيح الانارة والانذار في حالات الضباب، وغيرها من المعدات الاخرى. لكن ذلك ليس متعلقا بالتوقيت الصيفي باي حال.
اما التأثيرات الصحية فهي اقل وضوحا واكثر استعصاءا على الدراسة. غير ان التوقيت الصيفي يتيح وقتا اكثر لارتياد محلات اللياقة البدنية، ويسمح بتعرض اكثر الى اشعة الشمس ما يسمح بزيادة انتاج فيتامين دي في الجلد، لكن هناك من يقول ان التعرض الزائد الى اشعة الشمس قد يؤدي الى سرطان الجلد. وبرغم ان هناك شبه اجماع على ان النهوض باكرا من النوم يقلل من الاكتئاب، غير انه من المعروف ان بدء تطبيق التوقيت يسبب ازعاجا ويقلل من فاعلية النوم في الايام الاولى، وان التعود على التوقيت الجديد قد يستمر لمدة اسبوع. وقد ادعت الحكومة الكاخازستانية ان تطبيق التوقيت الصيفي قد أدى الى مضاعفات صحية لدى مواطنيها مما حدا بها الى ايقاف العمل بهذا النظام.
يذكر ان هناك الكثير من المضاعفات الاخرى، منها ضرورة تغيير الساعات المنزلية وساعات اليد لتطابق التوقيت الجديد، والتعقيد الناتج عن استخدام بعض البلدان للتوقيت الصيفي وعدم استخدامه من قبل بلدان اخرى ما يسبب الاضطراب في حالات السفر والاجتماعات المجدولة، يضاف الى ذلك ضرورة اقفال اجهزة الحواسيب الخادمة Servers طيلة الساعة المضافة حتى لا تضطر الى قراءة الساعة نفسها مرتين او القفز ساعة للامام، والخسائر الناجمة عن هذا التوقف. ومن المضاعفات الممكنة ما يترتب على استخدام الاجهزة الطبية المعتمدة على التوقيت واحتمال تشوش معطياتها نتيجة تغيير التوقيت.
وعلى الصعيد السياسي تسبب التوقيت الصيفي في اثارة الجدل منذ ان تم اقتراحه اول مرة. ويؤثر عن وينستون تشرتشل قوله « ان فرص الصحة والسعادة تزداد كلما ابكرنا في الخلود الى النوم والنهوض من الفراش». لكن روبرتسون ديفز يرى ان «ايدي المتطهرين (طائفة مسيحية متشددة) الزرقاء متحمسة الى دفع الناس الى النوم باكرا والنهوض اصحاء واغنياء وحكماء برغم انفهم»، واطلق على التوقيت الصيفي اسم العبودي Slaving في جناس لكلمة Saving التي تعني الاقتصاد.
وبرغم ان الفكرة اجتذبت الكثير من الساسة، مثل تشرتشل ولويد جورج وماكدونالدز وادوارد السابع، الا ان البرلمان البريطاني رفض المقترح بانتظام طيلة الفترة من 1909 حتى اقراره عام 1916. وكان مجلس النواب الاميركي اكثر تشككا، فقد قدم اندرو بيتر مقترح قانون التوقيت الصيفي عام 1909 لكنه ضاع في متاهات اللجان ولم ير النور حتى عام 1918. لكن حدوث الحرب العالمية الاولى غير من المواقف المعارضة للتوقيت الصيفي، طالما انه يقع ضمن المجهود الحربي في الاقتصاد في الطاقة والحماية من الغارات الجوية وغير ذلك، فاضطرت الدول الحليفة الى تتبع مسار المانيا والعمل به فورا.
وحالما انتهت الحرب عادل الجدل من جديد. فقامت بعض البلدان بالغاء العمل به، الا ان بريطاينا احتفظت به وان قامت ببعض التعديلات بين آونة وأخرى. اما الكونغرس الاميركي فقد الغى العمل به بعد عام 1919، واعترض الرئيس وودرو ويلسون على قرار الالغاء مرتين قبل ان يتمكن الكونغرس من جمع الاصوات الكافية لتخطي اعتراض الرئيس. لكن بعض المدن الاميركية احتفظت بنظام التوقيت الصيفي محليا على البرغم من ذلك. وحينما تولى الرئاسة وارن هاردنغ اظهر معارضة لهذا النظام وامر موظفي العاصمة في عام 1922 ببدء الدوام الرسمي في الساعة الثامنة صباحا بدلا من التاسعة كبديل لتغيير التوقيت، وحذت حذوه بعض المدن الاميركية، لكن هذا الاجراء لم يستمر بعده.
ودفع الجدل السياسي حول التوقيت الصيفي المجموعات الاستثمارية الكبرى الى القيام بحملات للدفاع عنه وحتى تمديد فترة العمل به. فقد مولت مجموعة محلات سفن الفن الحملة التي ادت الى اقرار قانون تمديد فترة العمل بالتوقيت الصيفي عام 1987، كما دافع كل من شيخي ولاية ايداهو عنه عام 2005، وهي الولاية المشهورة بصناعة رقائق البطاطا المجهزة لخدمة المأكولات السريعة. وبالمثل قامت مجموعات اميركية كبرى بالدعوة الى قانون تمديد فترة التوقيت الذي اقر عام 2007.
وفي استراليا اصبحت قضية التوقيت الصيفي عام 2007 ضمن برامج السياسيين الذين تأرجح موقفهم حول الاستمرار في العمل به مجاراة لاهواء الرأي عام، بينما تزداد مطالبة قطاع الاستجمام والترويح في بريطانيا في العمل بنظام التوقيت المزدوج.
جدوى التوقيت الصيفي
في العراق
برغم ان الجدل العالمي الذي اوردناه يوفر ارضية لا بأس بها لمعارضي تطبيق التوقيت الصيفي، الا انه من غير المؤكد ان له مضارا جسيمة. فالشركات الكبرى تعمل على تضخيم الخسائر الناجمة عنه بقدر ما يعمل منافسوها على المبالغة في منافع الشركات منه. والحق اني لا ارى سوى بضعة ايام من اضطراب النوم هي كل ما يسببه التوقيت من مساويء.
اما المنافع فهي اكبر بكثير. فالشمس تشرق في العراق حوالي الساعة الخامسة في اشهر الصيف، أي قبل ما يزيد عن ثلاث ساعات من موعد الدوام الرسمي. ومن المؤكد ان الكثير من العراقيين ينهضون لصلاة الفجر قبل الشروق، ما يعني ان انهم يبقون غير منتجين او مستجمين فترة طويلة. لذلك قد يكون من الاجدى ان تستقطع ساعة من الصباح لتضاف الى المساء، ما يعطي العراقيين فترة اطول للاستجمام في المساء ويحتفظ بقدراتهم في العمل صباحا.
اما تأثير التوقيت على الفلاحين العراقيين فليس مماثلا لنظرائهم الاوربيين، الذي يعملون بنظام مختلف كليا. فالفلاح العراقي يستيقظ باكرا ويؤدي عمله بغض النظر عن التوقيت. كما ان حصاد المحاصيل في العراق لا تواجهه صعوبة حقيقة، مثل تكون الندى، الذي نادرا ما يحدث في اشهر الحصاد.
ان غياب المعطيات الرسمية الصحيحة لحوادث الطرق، والتأثيرات الصحية، والاقتصادية، وغيرها نتيجة لتغيير التوقيت في العراق، يجعل من الصعب الحكم على جدواه في العراق. لكن ذلك انما يدعو الى التطبيق والمراقبة والدراسة، لا الى الرفض. فكما بينـّا انفا، ليس للتوقيت مضرة حقيقة، بل منافع متوقعة. لذلك نأمل ان يصار الى اعادة العمل به في الاعوام القادمة مع مراقبة التأثيرات الجانبية ومحاولة دراستها بعمق حتى يمكن اطلاق حكم يستند الى ارضية صلبة فيما اذا كان مفيدا وغير مفيد.