بدأ العد التنازلي لاجراء الانتخابات، ووضعت الخطة الامنية، واصبح تأجيل اقامتها اقرب الى المعجزة بحسب تعبير حازم الشعلان، رغم تأكد عدم اشتراك اربعة محافظات فيها بحسب وائل عبد اللطيف. ورغم ان المبدأ الاساس في الانتخابات هو معرفة الناخب بالمرشحين، الا ان الدعاية الانتخابية لم تتعد اعلان ارقام واسماء القوائم مقترنة ببعض الوعود، من العمل على احلال الامن والعدل والمساواة وتوفير الخدمات الاساسية وفرص العمل وما سوى ذلك، دون ادنى تعريف بالمرشحين انفسهم، او بطرق تحقيق الاهداف المعلن عنها.
وعلى نطاق واسع تستعمل تعابير دينية كشعارات سياسية لدعم قائمة ما. فالعفاف، وحفظ الحجاب، وتجديد بيعة الغدير، وحب الامام الحسين (ع).. اصبحت شعارات ودعايات انتخابية، لم يتورع القائمون عليها من استخدامها والتصريح بها في لافتات وملصقات تملأ الشوارع والساحات في مختلف المدن العراقية.
وفي الخارج، يعكف المثقفون الداعمون والمؤيدون للانتخابات على نشر مقالاتهم على الشبكة العالمية (مواقع الانترنت) بكثير من التعصب في بعض الاحيان. وقد وصل الامر ببعضهم حد التحامل على مجمل سكان المحافظات التي لن تستطيع المشاركة في الانتخابات واتهامهم بدعم النظام البائد، وانهم انما يقاطعون الانتخابات لانها ستحرمهم من السلطة التي طالما تمتعوا بها لعقود من الزمن.
وهكذا.. فان اجراء الانتخابات اصبح على مستوى عام بمثابة تحدٍّ لقوى الظلام والارهاب، وان اجراءها يمثل انتصارا باهرا عليها. اليس هؤلاء الارهابيون هم الذين يعترضون عليها؟ الا يقومون بكل ما يستطيعون لمنع اقامتها وتأجيلها من خلال احداث الخرق الامني، والهجوم العشوائي على القوات الامنية العراقية والمدنيين على السواء؟ فان كان ذلك صحيحا، فان الوضع الامني المتردي هو السبب في عدم اقامة، او محدودية اقامة، الانتخابات في اربعة محافظات.. وهذا يعني ان تلك القوى تحقق تقدما، وتكسب جولة. ولما كان النظام الانتخابي لا يسمح بتمثيل تلك المناطق في مرحلة لاحقة، فان الانتصار الذي تحقق لهذه الجماعات لن يعد امرا هينا.
وحتى على فرض تحقيق الامن على يد الحكومة (المنتخبة) في ما يلي من الزمن.. فان مشكلة حرمان بعض المحافظات من التمثيل ستشكل خللا كبيرا، وطعنا في شرعية الانتخابات نتيجة لغياب تلك المحافظات عنها، وستتعمق هوّة الخلاف لدرجة قد يصعب تداركها. مع العلم بان تلك الانتخابات (المنقوصة) سيثمر عنها كتابة الدستور الدائم، وخلال اشهر قليلة سيكون هناك استفتاء على هذا الدستور المقترح، ووفقا لقانون ادارة الدولة المؤقت، فان اي ثلاث محافظات تستطيع نقض الدستور، وعدم القبول به، اذا صوتت باغلبية الثلثين ضده. فان حصل ذلك، وهذا احتمال وارد، فما هو الحل؟
على انه لا توجد ضمانة لمشاركة واسعة حتى في المحافظات الاربعة عشر الاخرى.. ومنها تحديدا بغداد. فان أي خرق امني، ربما يمنع الكثيرين من التصويت.. ففي النهاية لا يعلم اغلب الناخبين لماذا ولمن يصوتون. وعلى هذا السيناريو، تصوروا حكومة تنتخب بمشاركة جزء من الاغلبية، وتغيب عنها الاقلية تماما، وتتهم في كل ساعة وحين انها غير شرعية رغم حصولها على اصوات بعض الناخبين، وفوق ذلك تفشل في الحصول على التأييد على اهم اعمالها: كتابة الدستور الدائم.
ومن جهة اخرى، فان تأجيل الانتخابات يعدّ –لاشك- نصرا للارهابيين، ولكنها ليست الا معركة واحدة.. معركة كغيرها من المعارك الخاسرة التي خاضتها الحكومة المؤقتة.. فقد خسرت معركة توفير الامن الذي راهن عليه الجميع عند استلام السلطة في 30 حزيران 2004. وخسرت معركة توفير الخدمات الاساسية، وخاصة الكهرباء والوقود، وخسرت معركة تثبيت شرعيتها محليا مع توفر كل وسائل الدعم العالمي والاقليمي والعربي الذي اسبغ عليها الشرعية الكاملة.
كما ان تلك الحكومة تعترف بخسارة معركة اقامة الانتخابات في اربعة محافظات، فماذا عليها ان تنصر في معركة الانتخابات العامة، بدون اخذ كل تلك الامور بنظر الاعتبار؟ الجواب لن يكون صعبا.. فالحكومة، التي تقودها الاحزاب المشاركة في الانتخابات، لا تعبأ لكل تلك الخسارات، فالشعب هو الذي يدفع الثمن.. ولكنها غير مستعدة لخسارة معركة واحدة تكون فيها هي التي تدفع الثمن. وهي لم تنظر لهذه المعارك على انها جزء من حرب على الارهاب.. وانما حوادث متفرقة وذات غايات متباينة، والا فان أي عاقل سيقبل خسارة بعض المعارك، على ان يكسب الحرب في النهاية.