Thursday, December 29, 2011

حكومة الأغلبية السياسية.. انفراد بالسلطة أم انقلاب على المحاصصة؟

بعد تسارع الاحداث السياسية في العراق إثر إصدار مذكرة القبض بحق نائب الرئيس، طارق الهاشمي، وطلب رئيس الوزراء، نوري المالكي، سحب الثقة من نائبه لشؤون الخدمات، صالح المطلك، تحدث البعض عن بوادر انفراد في السلطة يعكف رئيس الحكومة على تكريسها، بينما شدد البعض الآخر على أن المالكي إنما يسعى لإقامة دولة المؤسسات التي لا يعلو فيها شخص مهما يكن منصبه أو انتماؤه السياسي على حكم القانون.
والواقع إن توقيت إثارة هذه الأزمة ربما يزيد الأمور غموضا. فهل كان المالكي ينتظر إتمام القوات الأميركية انسحابها كي ينقض على الخارجين على القانون أم أن الأدلة على تجريمهم برزت في هذا الوقت بالذات؟ يقدم لنا رئيس الوزراء دليلا على أن اتهامه نائب الرئيس لم يكن وليد الساعة، حينما قال في مؤتمر صحفي إن لديه "ملفاً" عن الهاشمي كان قد قدمه إلى الرئيس جلال طالباني قبل ثلاث سنوات. ويبدو أن هذا الأخير لم يقتنع بما ورد في الملف فردّه عليه، كما أن الأول لم يجد حيلة في حفظ الملف وعدم اتخاذ إجراء قانوني. الأمر كما يبدو سياسي بامتياز، إذ أن واجب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يحارب الإرهابيين والمجرمين، وان كان لديه دليل على احدهم فحفظ ملفه لأسباب سياسية هو فشل في تنفذ الواجب المنوط به.
على كل حال، جلب النقاش حول هذه المسألة بالذات أفكارا كانت تطرح من حين لآخر، ولكنها برزت بقوة هذه المرة. فالمالكي اليوم يريد أن يحصل على حكومة أغلبية برلمانية بعد أن أعيته حكومة المشاركة الوطنية، أو (المحاصصة) كما أصبحت تعرف في الآونة الأخيرة. وهذا الطلب يجب ألا يؤخذ باستخفاف، وإنما هو حق. فالمحاصصة قيدت إلى حد كبير من قدرة الحكومة على التصرف إزاء المهمات المنوطة بها. وقد استحالت بعض الوزارات إلى حكومات بحد ذاتها، ولم يعد بإمكان رئيس الوزراء التدخل فيها بسبب القيود الموضوعة في أصل الاتفاق الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة.
على أن الدستور لم ينص صراحة على توزيع المناصب بين الطوائف والأعراق بشكل محدد، ولكنه أكد ضرورة أن يتم توزيع السلطات بين كافة الأطياف حرصا على الوحدة الوطنية. وهذا هو مبدأ حكومة الوحدة الوطنية، أو المشاركة. لكن التطبيق العملي حوّل هذا اللفظ، أي (المشاركة) إلى المصطلح الأكثر بغضا لدى الشعب العراقي ألا وهو لفظ (المحاصصة).
وقد حدد الدستور كيفية انتخاب رؤساء البرلمان والجمهورية ومجلس الوزراء في مواد محددة، هي: المادة (53(، وتنص: "ينتخب مجلس النواب في أول جلسةٍ له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالأغلبية المطلقة"، والمادة (67) أولا، وتنص: "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه"، والمادة (73) أولا، وتنص: "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية"،
وهكذا، فان العقبة الرئيسة تكمن في انتخاب الرئيس، لان من الضروري الحصول على أصوات ثلثي المجلس النيابي. وهذا الأمر لن يكون سهلا إن أراد أي طرف أن يسعى إلى تشكيل حكومة الأغلبية السياسية. فعقد التحالفات بهذا الحجم للحصول على الأصوات اللازمة سوف يستغرق وقتا طويلا، وربما لا يوجد سقف للمطالبات التي سوف يتم التقدم بها. وبدون التوصل إلى انتخاب الرئيس لن يكون ممكنا تكليف رئيس للوزراء. ويمكن نظريا أن يُصار إلى انتخاب رئيس السلطة التشريعية بمعزل عن هذه التركيبة في السلطة التنفيذية، ولكن طالما كان المنصب سياديا فان تسمية من سيشغله لابد من أن يدخل في إطار مناورات تشكيل فرعي السلطة التنفيذية: رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء. يضاف إلى هذا إن الدستور نص في المادة (67) رابعاً على: "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة". مما يجبر رئيس الوزراء على استشارة الكتل السياسية المشاركة في ائتلافه قبل تسمية أي وزير. إن هذا في نظري عيب كبير في الدستور، يجب تداركه وتعديله حتى تستقيم العملية السياسية. فإذا أريد من صاحب اكبر الصلاحيات في الدولة أن يتحمل مسؤولياته علينا أن نمكنه منها. على أن السيد رئيس الوزراء كان واعيا لهذا الأمر فطلب أن يُمنح صلاحية اختيار الوزراء من بين عدة مرشحين كل وزارة، ثم طلب تأجيل تعيين الوزراء الأمنيين، وكان له ما أراد. وحينما حصلت المصادقة على حكومته كان في الحقيقة قد اكتسب صلاحيات اكبر من التي منحها له الدستور، وهو الأساس الذي يبني عليه المدعون عليه بالتفرد بالسلطة.
من هذا يتبين لنا إن منصب رئيس الوزراء نفسه كان من ضمن المحاصصات اللازمة لتشكيل حكومة قابلة للتمرير من قبل البرلمان. فإذا أراد السيد رئيس الحكومة أن ينقلب على المحاصصة، وهو أمر مشروع، فيجب العودة بعملية تشكيل الحكومة إلى المربع الأول. اذ لا يمكن اليوم أن يتم رفض الطريقة التي وزعت بها المناصب السياسية بين الفرقاء، مع الاحتفاظ بمنصب رئيس مجلس الوزراء للسيد المالكي. لابأس في أن يبادر رئيس الحكومة في طلب سحب الثقة عن حكومته، وان يُعاد تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة، إذا التزم بتقديم وزارته كاملة إلى مجلس النواب، الذي سيكون له القول الفصل، حسب الدستور، في قبول كل وزير أو رفضه. أما أن يعمل الآن على ترقيع حكوماته الممزقة بالنزاعات الحزبية من خلال إزاحة مناوئيه إلى موقع المعارضة، وتعيين مؤيديه بدلا منه، فلم يعد أمرا ممكنا في الظرف الراهن.
بالمقابل، فان الأحزاب والكتل التي تختار أن تحتل موقع المعارضة يجب أن تكون قادرة على ممارسة دورها في تصحيح مسار الحكومة، التي هي في هذه الحالة حكومة الأغلبية. ولابد من توافر الحد الأدنى من الثقة بين كافة الأطراف السياسية، وان تظهر التزامها بأحكام الدستور، حتى يمكن لنظام حكومة الأغلبية أن ينجح. وللأسف لا أرى أن هذين الشرطين متوافران حاليا.
لقد كانت نية مشرع الدستور أن يمنع أي مسؤول من التفرد بالقرار، خصوصا بعد أن عانى العراق من الدكتاتورية عقودا طويلة. لكن الطموح إلى السلطة تمكن من معظم المشاركين في العملية السياسية، حتى أعماهم عن إمكانية وقوع هذا الخطر بالآليات ذاتها التي تمنع وقوعه. وقبل توجيه الاتهام إلى شخص المالكي، على الأطراف السياسية أن تسأل نفسها: ما الذي جرى ليصل الأمر إلى هذا الحد؟ كيف يمكن لبلد دمرته الحروب والمآسي الطويلة، وتشرد أبناؤه في أصقاع الأرض، ونضبت خيراته الوفيرة، كل ذلك على يد شخص واحد انفرد بالسلطة، أقول كيف يمكن ألا تعمل جميع الأطراف من اجل أن تمنع حصول ذلك مجددا؟ يُقال: لولا النسيان لهلك الإنسان، وربما في حالتنا يمكن تعديل هذا القول ليصبح: لولا النسيان لهلك السلطان، فلربما نحصل على الإجابة عن تساؤلاتنا.

Wednesday, December 21, 2011

الشتاء العراقيّ تُدفّئه السجالات السياسية

بينما يمر خبر رحيل آخر جندي أميركي من العراق يوم الثامن عشر من شهر كانون الأول الجاري بدون ضجة إعلامية، أو حتى ذكر إخباري يزيد على شريط الأخبار أسفل الشاشة في معظم القنوات المحلية والعالمية، فإن أخباراً أخرى تحتل مساحة كبيرة في التغطية الإخبارية الإعلامية للشأن العراقي.حينما قرأت خبر الجلاء الكامل، جال في خاطري أن ما يلي سيكون خطابا رئاسيا، أو بيانا وزاريا، أو تصريحا برلمانيا سوف يقرأ بالمناسبة،

اعتزازا بالمناسبة الوطنية المميزة، فهذا اليوم هو يوم الجلاء واستعادة السيادة. لكن ما تردد من أخبار كان مختلفا للغاية.
فهذا رئيس الوزراء يحيل نائبه إلى البرلمان لإقالته بدعوى عدم اللياقة.. وماهي إلا يومان حتى يُعلن عن إصدار مذكرة إلقاء القبض بحق نائب رئيس الجمهورية بدعوى رعاية الإرهاب.
سبحان الله كيف ينقلب السحر على الساحر بين ليلة وضحاها. فبعد أن كان كلا الرجلين قطبين أساسيين في كتابة وإقرار الدستور الذي يفترض أن يكون أساس العملية السياسية الجارية في العراق، أصبحا طريدين من قبل الحكومة وخارجين على القانون.
يرى البعض أن رئيس الوزراء يتعمد أن يثير ضجة مع رموز القائمة العراقية بين الفينة والفينة لكي يغطي على فشل حكومته الذريع في حل المشاكل المستعصية التي يعانيها الشعب، من تهالك خدمات الكهرباء والماء والمجاري والطرق، إلى تفاقم مشاكل السكن والبطالة وتعطيل الصناعة والزراعة، وليس انتهاء بالخروقات الأمنية الفاضحة من آن لآخر.
بمعنى آخر إن رئيس الحكومة يعمل على صرف الانتباه عن مسؤوليته المتمثلة بزعامته للحكومة بالادعاء انه ضحية هذه الحكومة (المفروضة عليه) وفق توافقات سياسية لايد له فيها.
وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فأين دور الشركاء في العملية السياسية؟ لماذا انزووا إلى أقبيتهم فلا ينبسون ببنت شفة للتعبير عن سخطهم من سياسة الحكومة التي هم جزء منها؟ لماذا يفاجأ الشعب بإعلان كبار مسؤولي الدولة مطلوبين للعدالة بلا مقدمات أو حتى بوادر أزمات تقدمت هذه الإعلانات؟ أما كان ينبغي لهم أن يخرجوا للعلن فيتحدثوا لنا عن هذه الاحداث وموقفهم منها؟
الظاهر إن طول جلوسهم خلف المكاتب الفارهة قد تمكن منهم حتى افقدهم حناجرهم، وأسقط أنيابهم، وقلّم أظفارهم، فما عاد بإمكانهم ان يهتفوا ضد اعتقالهم، أو يعضّوا من يحاول ذلك.
ومن يذكر مؤتمراتهم قبل أشهر قليلة، فإنهم لا تعوزهم الفصاحة في التعبير عن خلجاتهم، وانتقاد المواقف السياسية التي لا يرتضونها من الحكومة حتى صاروا جزءا منها، لهم ما لها وعليهم ما عليها.
إذا كان المالكي ينفرد بالحكم فان شركاءه هم المسؤولون عن ذلك. فلابد من أن اتفاقاتهم غير المعلنة حملت في طياتها تسليما غير مشروط لرئيس الحكومة أملا في الحصول على المناصب ذوات المردودات المالية والمعنوية العالية، والتي من شأنها أن تضمن مستقبلهم إذا آن أوان الرحيل.
قبل سبع سنوات سعى حزب طارق الهاشمي إلى إقرار الدستور في محافظة نينوى بعد أن أسقطته محافظتا الأنبار وصلاح الدين وبات على وشك السقوط كليا إن لم تمرره نينوى، حسب نصوص الدستور التي تشترط عدم اعتراض أغلبية ثلاث محافظات عليه في الاستفتاء العام حتى يمر.
وكانت الصفقة حينها أن يُصار إلى تعديل الدستور خلال أربعة أشهر. لم يحدث هذا الأمر، ولا يبدو انه سيحدث.
فالرجل بات مطلوبا للعدالة، ولن يكون هناك موجب للإيفاء بوعد مع (مجرم).
أما صالح المطلك فهو جنس من الناس يسكت دهراً لينطق كفرا، لكن هذا الأمر طرأ عليه مؤخرا. فحينما كان عضوا في لجنة كتابة الدستور لم يكن يجد أن البعثيين ربما كانوا أناسا صالحين، بل وافق عن تجريمهم ومنع حزبهم من العمل السياسي إلى الأبد، وما إلى ذلك من الفقرات الدستورية التي لا جدال في معاداتها حزب البعث وأفكاره ومنهجه. ثم فجأة أضحى المدافع عن البعثيين وعن حزب البعث، حتى طاله الاجتثاث، ليستثنى بعد ذلك في مساومة سياسية بغيضة تهزأ بعقل الناخب الذي لم يعد يفهم ما يجري. على كل حال، أنيط بالمطلك أكثر الملفات أهمية بالنسبة للمواطن العراقي: ملف الخدمات.
وطبعا، ليس بمقدوره أن يعمل على تحسين الخدمات الأساسية لأنه اكتشف أن رئيس الحكومة (دكتاتور).
أما مرجعية هذين الرجلين، القائمة العراقية، فان موقفها كان على الدوام التهديد من الانسحاب من مجلس النواب، حتى نفّذوا ذلك، وكأن هذا الأمر من حقهم. فهل انتخب الشعب ممثلين عنه ليغيبوا عن جلسات البرلمان احتجاجا على الحكومة؟ أليس هناك من طرق دستورية لمحاسبة ومساءلة الحكومة، بل سحب الثقة عنها، وإجبارها على الانصياع إلى رغبة المشرعين، وأولها أن يعين وزير لكل من الوزارات الأمنية الشاغرة الثلاث؟ بلى. لكن طرق الإثارة الإعلامية أسهل، وهي الستراتيجية التي دأبت كل من الحكومة ومعارضتها على انتهاجها. وكل منهما إنما يغطي فشله بلجوئه إلى التصعيد الإعلامي.
الشتاء قدم مبكرا هذا العام، لكن حرارة الاحداث سوف تجعله دافئا وان غاب الكهرباء عن سخاناتنا، والنفط عن مدفآتنا، وجلسنا حول موقد الفحم نتحادث عن تسعيرة الوظائف في هذه الوزارة أو تلك. ربما ستبقي لنا الفكاهات التي نتندر بها في تلك الجلسات بعض الأمل أن ما هو آت خير مما مضى.

Sunday, December 18, 2011

شكرا ايها الجندي الاميركي

ذكرت وسائل اعلام غربية ان السياسيين العراقيين لم يستطيعوا الاتفاق على تقديم الشكر الى الجيش الاميركي تقديرا لجهوده في تحرير العراق من براثن الطغيان، واحلال مباديء الديمقراطية والحرية محل الدكتاتورية والاستعباد التي رزح تحت نيرها شعب العراق ما يزيد على اربعة عقود. ومضت هذه المصادر الى القول بان العراقيين يكونون بهذا "ناكرين للجميل."
لا والله، لسنا ناكرين للجميل، ولسنا انتهازيين نصطاد فرصنا في الماء العكر. نحن شعب يحب السلام، وإن كان بيننا من يقرع للحرب طبولا، او خرج من بين ثنايانا من يدعو الى الفرقة طمعا في الوصول الى السلطة. نحن شعب ذاق القهر والحرمان دهرا طويلا، ولا نريد الا ان ننطلق في مسارنا لاعمار بلدنا وبناء وطننا. ومنذ قدمتَ الينا، ايها الجندي الاميركي، بدأنا نبصر بصيص امل بعد ان كاد الامل ينقطع عن ناظرينا الى الابد.
لا ريب في انك قدمتَ الينا غير مدعو، ولكن ليس عليك ان تغادر غير مشكور. وان كانت قيادتك جلبتك الى هنا وحمـّلتك اخطاءها، فنحن نعلم انك فعلت ما في وسعك لتجنب ان ترتكب اخطاء اخرى، ولكي تصحح ما امكنك من الخطأ الاستراتيجي الاول: القدوم الينا بلا خطة محكمة، وبلا غطاء دولي من مجلس الامن.
لكن هل علينا ان نذكر لماذا جئت، وما الذي تمخض عن ذلك؟ ربما. لنعد بالزمن الى الوراء. الى يوم قرر طاغية العراق المقبور ان يغزو الى الكويت، وقبلها خاض غمار حرب مدمرة ضد ايران دامت ثماني سنوات. نعم، كنا نحن غزاة ذات يوم. وهكذا، يصدر مجلس الامن تفويضا باخراج قوات الدكتاتور باية وسيلة، ولكنه يأبى الا ان يقود البلاد الى حرب دامية خاسرة حتى من يوم بدئها. كان شعور الشعب العراقي بالمذلة نتيجة تلك الهزيمة اكبر من خوفه من بطش الطاغية، فكانت ثورة شعبية تعمّ العراق من شماله الى جنوبه. وكانت اعلانا بالرفض لم يألفه النظام الذي تعود على الاستماع الى قصائد المديح المطولة في صالات قصوره الفارهة. ولم يوفر الطاغية جهدا في اخماد هذه الثورة.. هل سمعت بالمقابر الجماعية؟ نعم، لازالت الارض تئن بالمئات منها تتضرع الى الله ان يمنّ برحمته على اولئك الذين اهيل عليهم التراب احياء، لا لشيء الا لأنهم رفضوا الخضوع لنير الطغيان. وهو لم يتورع عن استخدام كل الوسائل المتوفرة لديه في اسكات الثورات الشعبية، حتى الاسلحة الكيميائية.. اما سمعت بـ(حلبجة)؟ يا ويلاه على اطفال ونساء ورجال وشيوخ احرقهم لهب قادم من السماء دون ان يكون لهم ملاذ منها، ارسله اليهم من كان ينبغي ان يحميهم منه.
ولكن ذلك النظام ما كان ليكتفي بكل ما سلف من المآسي، فقد عمد الى المواجهة مع المجتمع الدولي من اجل اطالة امل الحصار الاقتصادي، ليمدّ من عمر نظامه الاستبدادي البغيض، حتى تحطمت البُنى التحتية والفوقية لبلادنا ووصلت الى حافة الانهيار، وأنهك الشعب في توفير لقمة العيش وقنينة الدواء.. بات الشعب العراقي –بفعل سياسيات نظام الطغيان– الافقر في العالم، على الرغم من كونه الاغنى في الثروات المادية والبشرية.
ويوم شهدت امهات ثكلى حبل المشنقة يلتف على عنق صدام، بعد ان أخرجتَه من جحره وجلبتَه امام العدالة، صلـّيْنَ الى الله ليحميك، ايها الجندي الاميركي، وينير طريقك الذي مابرح يزداد عتمة منذ أتيتَ الى بلادنا، حتى تضافرت جهودك مع جهود ابناء القوات المسلحة العراقية فانتصرت على قوى الظلام.
كان الطريق مظلما، لان اعداء الحرية حطموا مصابيحه. وكانت كل تضحية قدمتَها شمعة تكسر هذه الظلمة، فتسيرَ ونسيرُ من ورائك، ونجري فنسبقك، ثم نبطيء فننتظرك. لقد احترت فينا، ولكنك صبرت علينا. فشكرا لك لصبرك الجميل، ولتضحيتك الكريمة.
شكرا لك لانك وضعت روحك على كفك لتحارب التمرد الذي عادى الشعب وحكومته قبل ان يعاديك. شكرا لك لانك سهرت على تدريب عناصر القوى الامنية العراقية حتى صارت قوية بما يكفي للذود عن حياض الوطن. شكرا لك لانك انفقت الاموال الطائلة في محاولة اعادة بناء البنى التحية المنهارة في وطني. شكرا لك لاخذك بيد الشعب العراقي نحو الحرية. شكرا لك لانك كشفت الفاسدين بين صفوف قواتك، ولم تخجل من ان تعلن ذلك للعلن، وتعتذر عن افعال هؤلاء المشينة، بل انك اصررت على ان تأخذ العدالة مجراها، وحاكمتَهم، والقيتَ بهم في السجن، بعد ان كانوا حراسا للسجون.
شكرا لسرجنت كرستينا، التي وقفت في ساعة متأخرة من الليل تحرس مركزا للشرطة تعرض لاطلاق نار من مسلحين مجهولين. شكرا للملازم مارك الذي قاد فصيلا للقبض على عصابة من المطلوبين الخطرين. شكرا للميجر غريغ الذي عكف على مساعدة القضاة في محاكمة المجرمين. شكرا للجنرال أدمز لانه أمر فرقته بحراسة القرى والبلدات قرب قاعدته العسكرية، فسير الدوريات ليلا ونهارا. وشكرا للدبلوماسي تشاك الذي تواصل بجد واخلاص مع الحكومتين المحلية والوطنية وقدم لهما النصح والارشاد الذي كانا بامس الحاجة اليه.
شكرا لكم ايها الرجال والنساء الذين تركتم خلفكم ازواجا وامهات وابناء لا يكاد يغمض لهم جفن خوفا عليكم، ولكنكم ابيتم الانصياع الى الخوف، ومشيتم الدرب الى آخره، وسلمتم العراق الى شعبه قادرا وأبيا كما كان وسيكون الى الابد.
الشعب العراقي غير ناكر للجميل، ولكنه خائف، فاعذرنا. نحن لازلنا خائفين من ان ينقلب السحر علينا ونعود الى الدياجير التي انقذتَنا منها بمشيئة الخالق عز وجل. ولكننا تعلمنا ان نتغلب على مخاوفنا، ونعدك باننا سوف لن نجعلك تندم على ما قدمته لنا. سوف نستمر في سعينا الى بناء وطننا وحمايته وصون حريتنا حتى تبقى فخورا بنا. شكرا لك اليها الجندي الاميركي، وانت تغادر عائدا الى وطنك، وليباركك الله.