Wednesday, May 21, 2008

مشروع قانون تنصيب نقابة الصحفيين

-- قراءة في قانون حماية الصحفيين المعروض على مجلس النواب --


نشر مؤخرا نص "قانون حماية الصحفيين" الذي احاله ديوان رئاسة الوزراء الى مجلس النواب لاقراره. ورغم بحثي المكثف لم اجد نسخة على موقع مجلس الوزراء او مجلس النواب. لذلك اعتمدت النسخة المنشورة في بعض المواقع الالكترونية. واعتذر عن اي خطأ قد وقع نتيجة لذلك.
مما لاشك فيه ان هناك ضرورة لاتخاذ اجراءات لحماية الصحفيين من الاعتداء الذي يقع عليهم نتيجة عملهم الصحفي، لاسيما مع تزايد الاخطار التي يشكلها العمل الصحفي على مزاوليه في العراق، كما تثبت ذلك الارقام المرعبة لشهداء الصحافة خلال السنوات الخمس الماضية. لكن هذه الضرورة لا تبرر اصدار تشريعات متعجلة ومبتسرة واحادية الرؤية، تشريعات تحكمها مرحلة انتقالية قد تكون فوضوية في بعض الاحيان، لكنها ليست هي الظرف الواقعي طويل الامد لسن تشريعات قد تسري لاجيال تالية.
والحقيقة ان السؤال الاساس هل ان حماية الصحفي مختلفة نوعا عن حماية بقية المهن الاحترافية، مثل المهندس والطبيب والحقوقي، بل والتاجر ورجل الاعمال وسواهم. لقد كان الجميع خلال الفترة التالية لسقوط النظام السابق اهدافا منهجية للهجمات الارهابية. حدث ذلك للقضاة، والاطباء على وجه الخصوص، والارقام التي تقرر هذه الحقيقة تفوق واقعا الارقام التي تتحدث عن ضحايا الصحافة. قد يكون التركيز على الصحفي فيه استثناء مبرر نوعا ما يعود الى طبيعة العمل الذي يجعله مستهدفا في بعض الاحيان بسبب موقف "سياسي" تجاه الصحفي ذاته او وسيلته الاعلامية. وهو ما يجعله في مرتبة واحدة، حسب راي بعضهم، مع منتسبي القوات الامنية، الذين اضحوا هدفا للجماعات المسلحة بسبب وظيفتهم بالدرجة الاولى.
ذلك يعني ان الاجابة عن التساؤل الانف قد تكون بالايجاب، على الاقل في الوقت الراهن، مع الاشارة الى من شأن اي قانون للصحافة، حتى وان شرع لغرض حمايتها لابد وان يتحول بشكل او بآخر الى قيد على الصحافة اكثر منه حماية له. في الانظمة الديقراطية الصحيحة، لايوجد قانون تسنه الدولة يختص بالصحافة تحت هذا المسمى. بل ان المؤسسات الصحفية الكبرى تسن لنفسها قواعد سلوك مهنية وتجعلها معيارا لمصداقيتها. ولهذا يعدّ اي تدخل للدولة في شؤون الاعلام الحر مخاطرة كبيرة على اصل النظام الديمقراطي.
فاذا وجدنا مبررا كافيا لسن هذا القانون فلابد ان نقرر في صيغة القانون ذاته انه ذو طبيعة مؤقتة مرهونة بالظروف الحالية ويجب ان ينتهي مفعوله بانتهاء هذه المرحلة وان يعاد النظر فيه بشكل دوري للتأكد من الحاجة اليه. لقد كان العمل الصحفي اذبان العهد البائد حكرا على شريحة بسيطة، لمنع تكون اية بذرة لاعلام حر ذي رسالة يهدد بقاء النظام.
لكننا نرى ان مشروع القانون موضع البحث لايشكل تعبيرا واضحا عن استقلالية الصحافة عن السلطات الثلاث، بل يدعو الى الانضواء تحت ظل الحكومة التنفيذية في اول مادة من مواده المقترحة والتي تنص: "يعتبر اي اعتداء على الصحفي اثناء تأديه مهامه الصحفية بمثابة اعتداء على موظف حكومي اثناء تأديه واجباته الرسمية ويعاقب المعتدي بالعقوبة المقررة قانوناً على الموظف الحكومي". ذلك مؤسف حقا، فكيف يمكن ان نقرن اداء عمل حر باداء موظف حكومي؟ الا يعد ذلك معادلا للقول بان الاعتداء على الصحفي اثناء عمله الصحفي اعتداء على سلطة تنفيذية؟ اذن كيف يكون شكل السلطة الرابعة؟ وكيف لنا ان نضمن عدم استغلال الصحفي نفسه لهذه "الميزة" في اغراض شخصية؟ الا يكفي اننا نجد امثلة لاحصر لها لاستغلال الموظف الحكومي لحصانته القانونية لاغراض شخصية؟
لقد كانت هذه النقطة من الاهمية بالنسبة لنقابة الصحفيين، التي تولت اعداد مسودة القانون وعرضه على الحكومة، بحيث جعلتها في مقدمة القانون المقترح، بل حتى قبل تعريف لفظ الصحفي، الذي لايرد الا في المادة السادسة عشر: "الصحفي هو الذي يعمل في الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية ومنتمي (هكذا في الاصل والصحيح منتم ٍ) الى نقابة الصحفيين العراقيين". وهنا يتبادر الى الذهن تساؤل مشروع: لماذا يتوجب على الصحفي ان ينتمي الى نقابة الصحفيين ليحصل على حقوقه "القانونية" طالما كان يزاول في واقع الامر المهنة الاحترافية للصحافة؟ الا يعطي ذلك سلطة للنقابة في تقرير من سيكون مشمولا بمهنة المتاعب ومحميا قانونا، وتمييزه بمن لا يريد العمل النقابي او الانضواء تحت اتحاد مهني لاي سبب كان؟ فهل ان المهندس الذي لا ينتمي الى نقابة المهندسين مجرد مدّع؟ وهل يجب عدم الالتفات الى النساء "المضطهدات" اللائي لاينتمين الى اتحادات النسوة؟ ان النقابة هي مجرد مؤسسة مجتمع مدني تشتمل على نشطاء يعملون لقضية عامة بغض النظر عمن يسجل فيها ويحمل بطاقاتها التعريفية. والاكثر من ذلك ان النقابة التي تدعي الوصاية على الصحفيين رفضت منح العضوية (او جعلته امر في غاية الصعوبة) للكثير ممن استشهدوا او اصيبوا في عملهم الصحفي بينما هي تتبجح الان بالمخاطر التي يتعرض لها الصحفيين، وان لم تعترف باحترافيتهم اصلا.
بيد ان النقابة تمضي الى اخذ المسالة على عاتقها الى ابعد من ذلك حيث يقتضي مشروع القانون في مادته الثانية ان: "لايعتقل الصحفي او يلقى القبض عليه بسبب عمله الصحفي الاعن طريق القضاء وبعد اعلام نقابة الصحفيين العراقيين وحضور ممثلها في التحقيق". ومرة اخرى تقرر النقابة من يشمله القانون وكيفية تطبيقه.
على كل حال، لا اجد المواد الثالثة والرابعة والخامسة مخالفة لعرف العمل الصحفي، وهي تتعلق بمنح الصحفي "حق الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الدوائر الحكومية والهيئات العامة لنقلها الى الجمهور"، وتعترف بحق الصحفي في "عدم الافصاح عن مصادر معلوماته"، كما انها تطالب بان لايتم "مصادرة ادوات عمل الصحفي الا باذن من المحكمة". غير ان المخالفة ترد فيما يلي في المادة السادسة التي تنص: "تتكفل الدولة بانشاء قوة فعالة لحماية الصحفيين ووسائل الاعلام"، حيث لا ارى كيف يعمل الصحفي مع وجود قوة حكومية مرافقة له. في الواقع فان مثل هذا الاجراء سوف يقيد الصحفي بالقوة التي تحميه وليس العكس. كما ان مثل هذه القوة كفيلة بان تمّكن السلطة التنفيذية من فرض سيطرة حقيقة على اداء الصحفي والوسيلة الاعلامية. تصور منع القوة المرافقة من الخروج في جولة ما ينوي الصحفي ان يقوم بها لاجراء تحقيق صحفي عن فساد دائرة ما، او لشبهة حول مسؤول حكومي، او غير ذلك من الامثلة التي ستقيد عمل الصحفي وتمنعه من الوصول الى اذيال الحقيقة وان توافر لديه بعض الامن (وهو غير مضمون قطعا).
ويؤكد ذلك نص المادة السابعة التي تطلب السماح "للصحفيين باداء عملهم دون تدخل من قبل القوات الامنية"، لكنها تستدرك بان هذا السماح مشروط بـ" مالم يكن هناك مسوغ شرعي". ولن تعدم القوات الامنية سببا لايجاد هذا المسوغ الشرعي. لقد تعرضت شخصيا ومجموعة من الصحفيين الاخرين الى اطلاق نار من قبل الشرطة (التي تعرفت علينا ودققت هوياتنا قبل ذلك) حينما هممنا ان ندخل موقعا لتفجير انتحاري في مدينة الحلة. وقد استوجب الامر تدخلا من مسؤولين حكوميين للسماح لنا بتصوير الانفجار المروع، فيما يبدو انه يصب في مصلحتهم لكشف افعال القاعدة في البلاد، اكثر من الرغبة في اتاحة الفرصة للاعلام الحر لنقل الحقيقة للعامة.
وطبعا فان المادة السابعة التي تقرر انه "على الاجهزة الامنية اجراء تحقيقات فورية في حالة تعرض اي صحفي لاي نوع من التهديد او الاذى وان تبذل الجهود لمعاقبة الجناة" هي من نافلة القول، لان هذا هو بالضبط عمل الاجهزة الامنية فيما يخص جميع المواطنين على السواء بغض النظر عن مهنتهم او انتمائهم الحرفي.
واكاد اتفق مع نصوص المواد التاسعة والعاشرة والحادية عشر التي تفرض على الدولة ان تكفل "رعاية عوائل شهداء الصحافة"، و"تخصيص راتب للصحفيين الذين يتعرضون الى الاعاقة" و"الرعاية الصحية للصحفيين وتتكفل بعلاجهم على نفقتها داخل وخارج البلاد اذا كانت الاصابة او الاعاقة بسبب العمل الصحفي" بشرط ان يكون ذلك توجها عاما للدولة فيما يخص ضحايا الاعمال الارهابية، وليس على سبيل التأمين المسبق لشريحة معينة بغية كسب ودها.
لكنني اختلف بشدة مع المادتين الثانية عشر والثالثة عشر واللتين تمنحان النقابة، من جديد، سلطة تنفيذية فيما يخص العقود مع المؤسسات الاعلامية المحلية والاجنبية العاملة في العراق وعمل الصحفي ضمن مؤسسته الاعلامية. ومصدر الاختلاف ليس نابعا من اعتراض على دور للنقابة في كل ذلك، لكن على حصر هذا الدور بها. فمن حق الصحفيين ان ينتسبوا الى اتحاد آخر غير النقابة الحالية وتبقى لهم حقوقهم القانونية المترتبة على العمل مع الوسيلة الاعلامية وحالات التعرض الى الفصل التعسفي وغيره. وذلك يجب ان ينظم بقانون اشمل للعمل وليس اخص بمهنة واحدة. غير انني ابدي اعجابا برغبة النقابة في منع الحيف عن الوقوع على الصحفي، لكنني اشعر انها غير قادرة فعلا على ذلك بسبب عدم تمكين اغلب الصحفيين، الذين يمارسون المهنة في الوقت الراهن، من الانتماء الى النقابة (او الحصول على مرتبة العضوية فيها). سيكون مدهشا حقا ان تجادل النقابة وسيلة اعلامية حول قرارها فصل محررين مثلا قاما بتغطية لم ترض المؤسسة، لكنها في الواقع ستجادل عن المنتمي لها حسب هذا القانون وتترك الاخر (الذي ربما ينظر قرار ادراجه في سجل العضوية سنوات عديدة).
واخيرا فان المادة الخامسة عشر قد وضعت النقاط على الحروف بالقول: "الصحفيون لاسلطات عليهم في اداء عملهم لغير القانون"، لكن هذا القانون ذاته وضع سلطة النقابة فوق جميع السلطات، وبذلك يمكن قراءة النص بالشكل التالي: "ان لم تكن عضوا في نقابة الصحفيين فلست صحفيا، وان كنت عضوا فيها فانت تحت رحمتنا".