Wednesday, April 11, 2007

دعوة لمنع نهب أموال الشعب العراقي

نشرت وسائل اعلام عراقية قبل ايام نص مشروع القانون المعروض على مجلس النواب والخاص بحقوق وامتيازات رئيس ونواب وأعضاء مجلس النواب. وقد أعطى هذا القانون المقترح من الحقوق والامتيازات لـ(ممثلي الشعب) وأسرهم وحماياتهم ما يثير العجب العجاب، ويثير السؤال فيما إذا كانت القضية لا تعدو أن تكون (كذبة نيسان) ولكن بعد أسبوع من موعدها. لكننا لا نستطيع حتى ان نذهب إلى هذا الافتراض، لان مجلس النواب لم يعودنا على المزاح، بل على العكس من ذلك، كان أعضاؤه في غاية الجد كلما حانت لهم طلة على شاشة فضائية. كما إن هذا المجلس، وريث الجمعية الوطنية السابقة، خليق بان ينتهج نهجها، ويحتسب لأعضائه امتيازات لا تقل عما احتسبت. الم ينل أعضاء الجمعية الوطنية راتبا تقاعديا لا يقل عن ستة ملايين دينار مدى الحياة لخدمة فعلية لم تتجاوز العشرة أشهر؟ الم تنفق تلك الجمعية على أعضائها من خزينة الدولة المليارات من الدنانير تحت مسميات شتى مثل (تحسين الوضع الاجتماعي للأعضاء) في الوقت الذي تزداد المعاناة اليومية لإفراد الشعب، سواء المُعسر منهم أو المُيّسر؟ وحينها قلنا جمعية جاءت في غفلة من الزمن وسيأتي خير منها. لكن مجلس النواب كان (خير) خلف لـ(خير) سلف. وما كان في الأمس يدور في الخفاء تسترا أصبح اليوم على رؤوس الأشهاد. وربّ قائل وما الضير في تعويض مادي، مهما كان كبيرا، لمن نذر حياته في خدمة الشعب. وذلك قول حق، سوى أن هذا المنطق يجب أن يتعدى ليشمل كل من (نذر) حياته. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الشرطي الذي يقف في نقطة التفتيش دون أن يعلم متى ستنفجر عليه سيارة مفخخة. ومنهم العسكري الذي يقتحم أوكار الإرهاب غير مبال بحياته في سبيل تخليص الأمة من هذه الآفة. ومنهم الصحفي الذي لا يدري متى يُدرج على قائمة التصفيات لان ما يوثـّق قد لا يعجب (بعضهم). ومنهم الموظف في دائرة خدمية أو إنتاجية والذي يواظب على دوامه رغم التهديد اليومي في الطريق من عبوات ناسفة واشتباكات ومداهمات وما إلى ذلك. نعم، حتى الكاسب في متجره والعامل في مصنعه، والطالب في مدرسته، والأستاذ في جامعته، بل حتى ربات البيوت في مهاجعهن يمضين اليوم في تربية الأولاد وتهيئة المنازل غير عالمات متى ستقطعهن إربا قذائف صاروخية زاغت عن أهدافها، أو لربما أصابت أهدافها بالفعل. فهل يحق لأعضاء مجلس النواب امتيازات تزيد على امتيازات الشهداء، من الأساتذة المغدورين، الذين امضوا حياتهم في التعليم والتعلم من اجل وطن أكثر علما؟ وهل يحق لهم أن ينالوا أكثر من الذين اختطفوا وذبحوا والقوا إلى المزابل لأنهم من هذه الطائفة أو تلك؟ هل نعطي الأعضاء المحترمين أكثر مما نعطي الشهداء؟ أليس هؤلاء الشهداء هم من وضعهم تحت تلك القبة وأجلسهم على هذه الكراسي؟ فكيف نجعلهم تحت أقدامهم، ونوافق على تبجيلهم وكأنهم لا سابق لهم، ولن يتكرروا على مدى الدهور؟ حسبي الله. لكن واضع الشريعة –جلت قدرته– غير غافل عما يعلمون. وقد قال قارون: "إنما أوتيته على علم عندي" حينما رآى انه امتلك كنوزا "ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة أولي القوة". وهذه دلالة على شعور الانسان بالتمايز فقط لأنه امتلك مفتاح لسلطة أو مال. فما كان من قارون إلا أن "خسف الله به وبداره الأرض". "فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا". حسبي الله، عليه توكلت واليه أنيب. أما وقد توكلت على الله، فهذه دعوة لأبناء هذا الوطن الأبي وان كان جريحا، العزيز وان كان مستباحا. هذه دعوة لمن ضحى بدمه وحياته، وخرج خائفا يترقب يوم الانتخابات ليعلن رفض الخنوع للظلم، وليسمح لشمس الحرية أن تبزغ. هذه دعوة للأحرار أبناء الرافدين أن يهبوا فيحموا مالهم ورزقهم، ويمنعوا النهب العلني لمقدراتهم، وان يمارسوا الديمقراطية كما عُرفت أول مرة، من خلال التصويت الفردي على كل قرار أو قانون، لا أن يركنوا إلى مجلس انتخبوه فقط. هذا المجلس الذي يعجز عن مناقشة مشكلة اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية، ناهيك عن حل المعضلات الأمنية والسياسية، قد بدأ بالتخلي عن مشروعيته الشعبية منذ أن بدأ يفكر في أضيق الحدود، في المصلحة الشخصية ضمن نطاق العضو وأسرته ومن أسعفه الحظ فكان في حرسه الشخصي. أوجه دعوتي هذه راجيا أن يساندها –سلميا– المثقفون والسياسيون والأساتذة والصحفيون فضلا عن عامة الشعب الكريم. مساندة تكون بالقلم والفكر، وبالنقاش والحوار، لا بالمظاهرات الصاخبة، أو ألأعمال العشوائية والعنيفة. نحن شعب حضارة وقانون منذ القدم، وعلينا أن نلتزم مبادئ حضارتنا قبل أن ننحدر إلى أفعال هوجاء لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي رأيي فان أول شيء يتوجب فعله هو أن ندعو إلى تعديل الدستور بما يمنع مجلس النواب من الانفراد في القرار، طالما أنه اثبت أنه قد يفعل خلافا لما يريد الشعب الذي انتخبه. يجب إضافة مادة تفصيلة إلى الدستورتحدد بالضبط ما لا يستطيع الجسم التشريعي فعله، وبالمثل الجسمين التنفيذي والقضائي، بدون استفتاء شعبي. ومثل هذه العودة إلى الشعب –لاشك– أمر صحي تعيد إلى الناخب دوره في التشريع، وتمنع المُنتخب من الاستحواذ على هذا الدور. ثم علينا بعد ذلك أن نخضع كل مسؤول في الدولة إلى المساءلة، ليس فقط من يقعون تحت طائلة القانون، بل أيضا من يُشرعون هذا القانون. يجب أن يكون لدينا نظاما محكما للشفافية يضمن أن يُسئل كل عضو في مجلس النواب –مثلا– عن سبب تصويته على أي مشروع قانون سواء كان معه أم ضده. إن أعضاء مجلس النواب ليسوا وكلاء الشعب بل نوابه. ومن حق الشعب –صاحب السيادة– أن يعلم كيف ولماذا يتم وضع التشريعات، ومن يستفيد منها، كما إن من واجب النائب أن يشرح لمن أنابه كل ما لـَبـِس عليه، وان يقدم له كل ما يحتاجه لكي يضعه في الصورة الحقيقية.
وأخيرا، أنا أدعو أن تكون جميع جلسات مجلس النواب –بدون استثناء– علنية، وان اقتضى الأمر تعديل الدستور لضمن ذلك. إذ لا يمكنني التفكير بأي سبب لجعل الجلسات مغلقة أو سرية إلا أن يكون لحجب المعلومات عن الشعب. وحتى الاحتجاج بالوضع الأمني ليس كافيا، إذ أن المجلس إنما يناقش قضايا عامة، وليس إجراءات محددة كالخطط الأمنية او التدابير العسكرية وما سواها، والتي يُخشى تسربها فتفشل وتنهار. وقبل أن أدعكم بسلام، أشير إلى انه في إحدى الدول الديمقراطية ينص القانون على أن راتب عضو المجلس يعادل دولار واحد فقط، إقرارا بأنه يستحق راتب لخدماته، غير انه يجب أن لا يثري على حساب المال العام (وهي بالمناسبة إحدى شروط الترشيح لمجلس النواب، إلا أنها وردت بصيغة الماضي!)